جاءت العربدة الإسرائيلية لترسم الوجه الآخر من المشهد في وقت لا تزال ثرثرة النظام التركي بأركانه المختلفة تتواصل لتضيف إلى اللغط القائم حول الانسحاب الأميركي المزيد من الجدل والغموض، في محاولة مكشوفة للعب على وتر الخيارات والاحتمالات المفتوحة التي ترسمها التطورات القادمة، في ظل سعي محموم لإعادة خلط الأوراق والإيحاء بالتوافق مع الأميركي لما سماه البعض إطلاق «اليد التركية أميركياً»، مع تسريبات لا تخفي رغبتها بالغمز من قناة التواطؤ المعلن بين الطرفين، وصولاً إلى الترويج للقاء مع الروسي.
الرد الروسي لم يتأخر حين أعلنت الرئاسة الروسية أن ليس في جدول أعمال الرئيس بوتين أي لقاء مع أردوغان على خلفية الانسحاب الأميركي، في إشارة واضحة على أن روسيا ليست في عجلة من أمرها لنقاش المسألة مع التركي تحديداً، الذي ذهب بعيداً في تخيّلاته وأوهامه التي رسمها في سياق المقاربة التي يحاول جاهداً أن يكرّسها في قراءة المشهد الإقليمي وتجلياته المختلفة، والتي تشي بأن المخاطر المحدقة بالوضع الإقليمي والسعي لملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي تواجه انزلاقات تؤججها على الأقل الحماقة التركية والتصريحات الهوجاء التي يطلقها، وتصب الزيت على نارها العدوانية الإسرائيلية.
فالمسألة ليست في افتراضات تحاكي الوضع المستجد من زاوية المشهد الذي كان قائماً، بل في النتاجات المعلبة التي يريد النظام التركي أن يسوّقها، على قاعدة أن التفاهم مع الأميركي يرسم تفويضاً للتحرك خارج إطار القواعد المرسومة، وربما يتيح له أن يعوّض مساحة الدور الضائع في ظل الوجود الأميركي على الأرض، حيث ما تقبله القوى القائمة في ظل الوجود الأميركي هو غير الذي يمكن أن تسكت عنه مع التركي، والأهم أن ما يجري تداوله من سيناريوهات تسوّقها تركيا تعاكس الواقع، ويحول دونها الكثير من العقبات والإشكالات الناتجة عن خطأ الحسابات والتهوّر.
فما كان مسكوتاً عنه من ممارسات للنظام التركي كان في جزء منه يستظل بالوجود الأميركي، وبالمساحة السياسية التي يوفرها ذلك الوجود وتحديداً الخروقات العديدة، التي كان يُقدم عليها نظام أردوغان في غير موقع بدفع من الأميركي نفسه، وبتشجيع واضح مستهدفاً الجهود المبذولة من الروسي والإيراني ، حتى لو تمّ توكيل التركي بذلك علناً من قبل الإدارة الأميركية، يشاطره فيها الإسرائيلي بحثاً عن فتات دور تبقيه في المشهد الإقليمي، ويتقاسم مع التركي مهمة تصدير أزماته.
الفرق هنا ليس في الغياب الأميركي على ما يحمله من دلالة، وإنما في قدرة التركي على ضبط الإيقاعات الناتجة والاهتزازات التي تصيب مختلف الاصطفافات السياسية التي نسجتها واشنطن على مقاس دورها وحجم حضورها، حيث تفوق قدرة التركي وطاقته وإمكانياته، وتتجاوز مقاسه، والأهم أنها تتعارض إلى حد التناقض مع الإيقاع الذي يرسمه، حيث الأطماع التركية وأجنداته تصطدم بوقائع على الأرض تجعل التفكير في مجابهتها أو الإحاطة بتداعياتها صعبة وعسيرة عليه وربما مستحيلة،لأن سورية ليست لأحد ولن تكون..، فهي للسوريين وإن تباين الظرف أو طال، ليبقى الحديث التركي وتهويلاته ووعيده مجرد ظاهرة صوتية، يطيب للتركي اللغو فيه واللغط فيما ترسم العربدة الإسرائيلية رجع الصدى الناتج عنه.
علي قــاسـم
a.ka667@yahoo.com
التالي