أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي:
شكلت الخطوات التي يقوم بها السيد الرئيس أحمد الشرع والكادر الدبلوماسي في وزارة الخارجية السورية، تحولاً كبيراً في موقف سوريا وحضورها الفاعل مع المنظمات الدولية، من خلال إعادة بناء العلاقات ورسم سياسية جديدة تقوم على الانفتاح على الجميع، وبناء الثقة، ليس آخرها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
خلال حكم نظام بشارالأسد، كانت العزلة الدولية سائدة بسبب تعنّت النظام وسياسته العدائية تجاه كل مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، منها الوكالة المذكورة، إذ كان موقفه مع الوكالة متوتراً وسادته الشكوك والرفض، خاصة بعد عام 2007، عقب الغارة الإسرائيلية التي دمّرت منشأة في دير الزور يُعتقد أنها كانت مفاعلاً نووياً سرياً قيد الإنشاء.
وسمح نظام الأسد للوكالة بزيارة الموقع مرة واحدة فقط، ثم منع أي زيارات إضافية، كما رفض السماح بتفتيش مواقع أخرى اشتبهت الوكالة بارتباطها بالمشروع النووي، دون أن يقدم توضيحات مقنعة حول طبيعة المنشأة المستهدفة، وامتنع لاحقاً عن التعاون مع طلبات الوكالة بشأن الوثائق والبيانات المتعلقة بها.
كما اتهم نظام الأسد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسييس الملف، واعتبر أن بعض تقاريرها اعتمدت على معلومات استخباراتية مسيّسة قدمتها إسرائيل أوالولايات المتحدة، وبسبب رفض النظام التعاون، بقي الملف النووي السوري شبه مجمّد داخل الوكالة، إلى أن تغير الموقف بعد سقوط نظام الأسد وبدء السلطة الجديدة في دمشق إظهار انفتاح وتعاون.
وكشف المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، عن تحوّل نوعي في موقف سوريا من ملفها النووي، مشيراً إلى أن القيادة السورية الجديدة أبدت استعداداً صريحاً للتعاون الكامل مع الوكالة، والسماح لمفتشيها بالوصول الفوري إلى المواقع المشتبه بها.
وفي تصريح لوكالة “أسوشيتد برس” خلال زيارته إلى دمشق ولقائه بالرئيس الشرع، أوضح غروسي أن سوريا وافقت على فتح أبواب مواقعها النووية السابقة أمام فرق التفتيش، بهدف تسوية الملفات العالقة المرتبطة بأنشطة سابقة يُعتقد أنها قد تتصل ببرامج نووية غير معلنة.
وأكد غروسي أن أولى جولات التفتيش ستشمل مفاعل دير الزور، إضافة إلى ثلاثة مواقع أخرى، مشدداً على أن الوكالة تسعى للتأكد من خلو هذه المواقع من أي مواد قابلة للاستخدام أو التسريب، خاصة في ما يتعلق باليورانيوم المخصب.
وأضاف: إن الرئيس الشرع أبدى رغبة واضحة في استكشاف سبل إدخال الطاقة النووية السلمية إلى سوريا، بما يشمل إنشاء مفاعلات نووية صغيرة، تُعد أقل تكلفة وأسهل تنفيذاً من المفاعلات التقليدية.
كما أعلنت الوكالة استعدادها لدعم القطاع الصحي السوري من خلال توفير تقنيات الطب النووي، والمساهمة في تطوير البنية التحتية لعلاج الأورام باستخدام الإشعاع، ضمن إطار مبادرات التعاون الدولي.
واختتم غروسي تصريحه بالتأكيد على أن الوكالة ترى في الانفتاح السوري خطوة إيجابية نحو إعادة بناء الثقة، مشدداً على أهمية هذه المرحلة الجديدة من التعاون في ضمان الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية.
والوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) هي منظمة دولية مستقلة، تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، وتُعنى باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ومنع انتشار الأسلحة النووية، تأسست عام 1957، ويقع مقرها في فيينا، النمسا.
تُعنى الوكالة بمراقبة البرامج النووية، والتأكد من أن الدول تستخدم التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية فقط (كالطاقة والطب والزراعة)، وليس لصنع الأسلحة، وإرسال مفتشين دوليين إلى المواقع النووية للتحقق من عدم وجود نشاطات غير مصرح بها، علاوة عن تقديم الخبرات والتقنيات للدول الراغبة في تطوير مشاريع نووية سلمية، مثل محطات الطاقة أو مراكز علاج السرطان.
تعاون دمشق مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” يُعد خطوة استراتيجية ذات أبعاد متعددة، وأهميته تتجلى في عدة جوانب، منها تعزيز الثقة الدولية بالسلطة في دمشق، إذ أن استجابتها لمطالب التفتيش الدولي وإتاحة المواقع النووية السابقة يعيد بناء الثقة مع المجتمع الدولي، بعد سنوات من العزلة والشكوك.
أيضاً يساهم التعاون برفع العزلة السياسية، إذ يعتبر التعاون مع الوكالة بوابة لإعادة إدماج سوريا في النظام الدولي، ويُعطي رسالة إيجابية للدول الغربية والعربية بأن دمشق جادة في التغيير، علاوة عن تأهيل البنية التحتية الصحية من خلال الاستفادة من برامج الوكالة مثل “الطب النووي” و”علاج الأورام” ويفتح المجال لتحسين الخدمات الصحية، خاصة في مجال السرطان والتشخيص الإشعاعي.