يبدو أن أميركا هذه الأيام تعيد ترتيب أوراقها ومواقعها، بهدف الاستفادة من الوقت الضائع، ومحاولة زرع مخاوف جديدة لدى الأطراف الساعية لحل الأزمة، وإنهاء الحرب الإرهابية في سورية، وذلك بعد أن أخفقت باغتنام جميع الفرص التي حشدت فيها جميع طاقاتها وإمكاناتها، لأن شركاء الحل يدركون أين وكيف يتحركون، ويعرفون الوقت المناسب لاستئنافه وتفعيله، أو الوقوف عند عراقيله ومعوقاته، بينما خلافات الأعداء تتفاقم فيما بينهم، وبات تبادل الاتهامات عن دعم الإرهاب علامة فارقة لعلاقاتهم المهتزة.
نار تحت الرماد تحكم المواقف بين تركيا وأميركا، وحرب التصفيات بين فصائلهما تستعر، ما يؤكد أن تشابكات وتعقيدات تحكمها روح الانتقام من جهة، والسيطرة على ساحة الصراع من جهة ثانية، ستكون عناوين المرحلة المقبلة بين الجانبين، في وقت يتجاهل فيه النظام التركي حجمه ووزنه وحدوده، وهذا بالنتيجة سوف يصب بلا شك في مصلحة سورية وحلفائها الذين أوشكوا على طي صفحة الإرهاب.
فضلاً عن تذبذب العلاقات بين واشنطن وأنقرة، هناك مشكلات داخلية يعاني منها شركاء العدوان على سورية كل على حدة، فأزمة الإغلاق الحكومي الأميركي والجدار الحدودي مع المكسيك، تضرب أطنابها نتيجة الخلافات الحادة بين حاكم البيت الأبيض ومجلس النواب على طريقة وتكلفة التمويل، ورغبة ترامب بتصدير تلك الأزمة إلى الخارج، بينما تعاني فرنسا حركة شعبية واحتجاجية واسعة تتصاعد يوماً بعد آخر، وصلت مفاعيلها حد المطالبة بإسقاط النظام وخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، على حين لا تزال بريطانيا غارقة في الموضوع ذاته بين رفض المعارضة لـ «بريكست» والاستفتاء عليه، والأحزاب تحاصر رئيسة وزرائها، فيما يستقتل رئيس النظام التركي للحفاظ على وجوده في سدة الحكم وتعديل ميزان شعبيته من خلال التهديد بعملية عسكرية على الحدود تستهدف الشمال السوري مهما كلفه ذلك، ومن دون التنسيق مع أحد أو الرجوع إليه.
المتغيرات التي تفرض ذاتها، وفوضى المصالح، والتحالفات القديمة والمستجدة، سوف تنعكس إيجاباً على الموقف السوري، وتؤكد هزيمة المشروع الغربي في المنطقة برمته، ولن يمضي الوقت طويلاً حتى ينسحب أولئك بهدوء من دون الإعلان عن إفلاسهم، حفاظاً على ما تبقى من ماء الوجه، وهو ما يفضي إلى شراكات جديدة على حساب تلك المتغيرات والتناقضات التي تساهم أميركا في خلقها بغير قصد.
كتب حسين صقر
التاريخ: الجمعة 11-1-2019
الرقم: 16882