الثورة – جهاد اصطيف:
في شمال سوريا، حيث تتقاطع أزمات الحرب مع ضعف البنية التحتية الصحية، يبرز مستشفى حلب الداخلي كأحد أهم المراكز الطبية التي تحمل على عاتقها مسؤولية ثقيلة، استقبال مئات المرضى يومياً، ومعالجة الأمراض الداخلية على اختلاف أنواعها، بدءاً من الحالات البسيطة وحتى الأمراض النادرة والخطرة.
طوارئ تعمل بلا توقف
على مدار 24 ساعة يومياً، تظل أبواب قسم الإسعاف مفتوحة أمام المرضى.. ويؤكد الدكتور معتز الأسعد اختصاصي أمراض غدد، وفق بيان المستشفى، أن الحالات الأكثر شيوعاً التي يستقبلها القسم تتعلق بالتسممات الغذائية، لسعات الحشرات، إلى جانب الأمراض الإنتانية والمعوية.
ويضيف: أحياناً نتعامل مع حالات نادرة، مثل مرض الخناق “الدفتيريا” أو التهابات الكبد الحادة، وهنا يبرز دور قسم العزل الذي يمنع انتقال العدوى لبقية المرضى.
ويضم المستشفى 12 قسماً تخصصياً في مجال الأمراض الداخلية، ما يجعله مركزاً طبياً متكاملاً في المنطقة، ومن أبرز هذه الأقسام، قسم الأمراض الهضمية، وأمراض الغدد، والأمراض الرثوية والمفصلية، وقسم العناية المشددة، وقسم العزل المخصص للأمراض الإنتانية والمعدية، هذا التنوع في الأقسام يسمح للمستشفى بأن يغطي تقريباً كل ما يخص الأمراض الداخلية، ما يخفف على الأهالي عناء السفر أو البحث عن مراكز بديلة.
أمراض الغدد..
معاناة مستمرة في عيادة الغدد الصماء، يتوافد يومياً نحو 40 مريضاً، كثيرون منهم أطفال يعانون من قصور في القامة أو البلوغ المبكر، يروي طبيب الغدد عمار رجب: نحن نتابع حالات دقيقة، منها اضطرابات النمو، ونوفر هرمون النمو عند الضرورة، رغم ارتفاع تكلفته، إلا أنه قد يغير حياة طفل بالكامل، إلى جانب ذلك، يشكل السكري تحدياً يومياً، إذ يراجع العيادة عشرات المرضى من مختلف الأعمار لمتابعة مستويات السكر ومضاعفاته.
ويضيف: أحياناً نرى حالات معقدة جداً، مثل السكري عند الأطفال، وهذه تتطلب مراقبة دقيقة وعلاجاً طويل الأمد.
باهظة الثمن
من أكثر ما يميز المستشفى اعتماده العلاجات البيولوجية الحديثة، وخصوصاً لمرضى التصلب اللويحي والأمراض الرثوية والمناعية.. هذه الأدوية تعتبر من الأغلى ثمناً على الإطلاق، ويعجز كثير من المرضى عن تحمل تكاليفها، لكن المستشفى يحرص على توفيرها ضمن الإمكانات المتاحة، ما يمنح المرضى فرصة نادرة للحصول على علاج نوعي يغير مسار المرض.
لا تقتصر خدمات المستشفى على الأمراض الشائعة، بل تشمل أيضاً أمراضاً معقدة مثل داء كرون، إلى جانب متابعة حالات الحمى المالطية والتيفية المنتشرة في بعض المناطق الريفية.
ويشير الدكتور الأسعد إلى أن هذه الأمراض تحتاج إلى بروتوكولات علاجية دقيقة ومتابعة طويلة الأمد، وهو ما يتم توفيره للمرضى رغم الأعداد الكبيرة وضغط العمل.
استيعاب واسع
تستقبل العيادات الداخلية ما بين 30 و 40 مريضاً يومياً لكل قسم، ما يعني أن الكوادر الطبية تواجه ضغطاً كبيراً، ورغم ذلك، يستمر المستشفى في استقبال جميع المرضى من دون استثناء.
يقول مدير المستشفى الدكتور أحد زين: لدينا طابقان يعملان بكامل طاقتهما، بطاقة استيعابية تصل إلى 120 سريراً، ورغم أن الضغط اليومي كبير، إلا أن التزام الكوادر الطبية يجعلنا نواكب هذا العبء.
خلال الأشهر الأخيرة، نجح المستشفى في تسجيل عدة حالات شفاء لمرضى أصيبوا باختناق نتيجة تسرب الغاز، ويوضح الدكتور الأسعد أن هذه الحالات خطيرة جداً، لأنها قد تؤدي إلى الوفاة خلال دقائق، لكن بفضل التجهيزات الطبية، تمكنّا من إنقاذ حياة المصابين.
يمكن القول: إن مستشفى حلب الداخلي تجاوز دوره كمؤسسة صحية، ليصبح رمزاً للصمود الطبي والإنساني في الشمال السوري، فهو لا يعالج الأمراض فقط، بل يمنح الأمل في حياة أفضل لمرضى يواجهون تحديات قاسية، في منطقة أنهكتها الحروب والأزمات، إنه مثال حي على أن الطب، حين يمتزج بالإنسانية، قادر على صنع الفارق حتى في أصعب الظروف.