الثورة – علا محمد:
حين يستعد معرض دمشق الدولي لفتح أبوابه من جديد، لا يتهيأ كمكانٍ للعرض فقط، بل نافذةٍ للحياة تنتظر أن تتنفس بعد سنوات من الحرب، الناس تترقب، العيون تلمع بأمل اللقاء، والوجوه تستعد لابتسامة مؤجلة منذ زمن، أحاديثٌ تسبق الحدث، والتوقعات تكبر، وكأن صوت دمشق على وشك أن يعلن عودة الأمل إلى الشوارع والقلوب، فلا يُنظر للمعرض على أنه فعالية اقتصادية أو ثقافية وحسب، بل رسالة وجدانية تقول إن سوريا قادرة على استعادة إيقاعها الطبيعي، ومن هذا المنطلق كان لصحيفة “الثورة” لقاءً مع الباحثة الاجتماعية غدران نجم، التي قرأت المعرض من زاوية إنسانية واجتماعية تكشف عمق حضوره المرتقب في وجدان السوريين.
نافذة للتلاقي
ترى الباحثة غدران نجم أن رمزية عودة المعرض المنتظرة أشبه بعودة نبض الحياة، فهو ليس مجرد فعالية عابرة، بل لحظة فارقة تعلن أن سوريا تتجه نحو استعادة إيقاعها المدني بعد سنوات الحرب، وتشير إلى أن مجرد انتظار افتتاح المعرض يمنح المواطنين شعوراً بالاستقرار والانتماء، ويعيد لهم الإحساس بالزمن الطبيعي، وتصبح المناسبات العامة جزءاً من الحياة اليومية من جديد.
المعرض، بحسب قولها، حدث اجتماعي بامتياز، إذ يشكل مساحة مفتوحة للتواصل والتفاعل، ويُرتقب أن يكسر عزلة فرضتها الظروف القاسية، وأن يعزز الهوية الوطنية المشتركة، بما يخلق بيئة حوارية إيجابية ويمنح السوريين شعوراً بأن الأمل ممارسة يومية وليست فكرة عابرة.
وتؤكد نجم أن عودة المعرض ترسم صورة جديدة لسوريا كبلد قادر على النهوض والتجدد، فالفعاليات التي ستقام واللقاءات التي ستجمع السوريين، مرشحة لأن تعكس قدرة المجتمع على تجاوز الانقسامات الضيقة، وتعلن أن المستقبل يحمل فرصاً حقيقية للتعافي والنمو، وتضيف إن مثل هذه الفضاءات الجماهيرية لا تقتصر على الاحتفال بالاقتصاد والثقافة، بل تتحول إلى منصة لإعادة بناء الثقة المجتمعية، وإلى مساحة إنسانية للتواصل بعيداً عن السياسة والجغرافيا، حيث يلتقي الناس لتبادل الأفكار والمنتجات والثقافات، فيبنون جسوراً جديدة من التعاون، ويعيدون تشكيل الروابط الاجتماعية على أساس الاحترام والتفاهم.
وتشير الباحثة إلى أن المعرض يحمل أيضاً رسالة ثقافية عميقة، إذ يعكس أن الثقافة ليست ترفاً بل شفاءً جماعياً، فعودة مثل هذا الحدث تعني منح الفنانين والمبدعين فرصة ذهبية للتواصل مع جمهور واسع، وإعادة الحيوية إلى المشهد الثقافي السوري، وهكذا يتحول دمج الفنون ضمن الفعاليات الاقتصادية إلى تأكيد عملي على أن الثقافة جزء أساسي من عملية التعافي الوطني وليست رفاهية ثانوية.
في قلب الحراك المرتقب
وتلفت نجم إلى أن للشباب حصة كبرى من هذا المشهد، فهم رغم كونهم الأكثر تأثراً بالحرب إلا أنهم الأكثر قدرة على صناعة التغيير، افتتاح المعرض سيمنحهم فضاءً جديداً لرؤية نماذج ناجحة، والمشاركة في الحياة العامة، بما يعزز روح المبادرة والإبداع لديهم، ويفتح أمامهم آفاقاً لتطوير علاقاتهم وخبراتهم العملية والاجتماعية.
وترى أن المجتمع السوري بأمس الحاجة إلى عودة إيقاع الحياة الطبيعي، وأن استمرار تنظيم مثل هذه الفعاليات من شأنه أن يحوّلها إلى تقليد اجتماعي يعزز الاستقرار، وتوضح أن معرض دمشق الدولي، حين يُفتتح وتنتظم فعالياته، سيصبح مع الوقت جزءاً من الذاكرة الجماعية للسوريين، ومناسبة للتجدد والتلاقي، حيث تبنى العلاقات على أساس الأمل لا الخوف.
وتختتم الباحثة حديثها بالتأكيد على أن الدروس المستفادة من هذا الحدث لا تقل أهمية عن تفاصيله العملية، فالتلاقي والتنوع يُنظر إليهما كمصدر قوة لا كعامل انقسام، والفضاءات العامة يتوقع أن تثبت مجدداً أنها أساس للتفاعل الإيجابي وتبادل الخبرات، كما أن الثقافة تظهر كوسيلة حقيقية للتعافي الجماعي، في حين يظل الاستثمار في الإنسان المحور الأهم، وتعزز كل مشاركة الانتماء والمسؤولية، وتؤكد أن هذه الدروس يمكن أن تشكل حجر الأساس لسياسات اجتماعية جديدة تعيد بناء النسيج السوري على أسس التفاهم والتكافل.
وبين الترقب والانتظار يزداد الإحساس أن الحياة أقوى من الحرب، وأن سوريا قادرة على استعادة نبضها الطبيعي عبر احتضان الناس لبعضهم في فضاء واحد، تحت راية وطنٍ يتجدد عاماً بعد عام.