ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
يفتح المناخ السياسي بواباته على اجتهادات أغلبها خارج السياق، ليس بحكم الخطأ في الاستنتاج فقط، بل أيضاً من منظور الرغبة بالاستمرار في محاكاة الأوهام ذاتها التي ما برحت تحاصر الكثير من مواقف الأعراب،
ومن لف لفهم، وقد راهنوا عليها أساساً كمستند للغوص في مستنقع الوعود والالتزامات.
ولا تكتفي في معظمها بالنزوع نحو الجزم بالمواعيد والتواريخ وحتى الأمكنة، بل تبتّ أحياناً فيما يشبه الحصيلة على مسارات خارج اعتبارات المنطق وتسلسل الأحداث وما تحكمه المعطيات والأوراق الكثيرة التي لم تستخدم بعد، أو لم توضع في التداول حتى الآن، حيث تشرع مواقف بعض الأطراف في الإضافة هنا والحذف هناك على مبدأ المحاصصة في السياسة، أو على قاعدة التجريف في الإعلام.
الفارق بين ذلك الاصطفاف والواقع يتسع باتساع المساحة التي أتاحها البرنامج السياسي للحل الذي باشرت به الحكومة السورية، حين دفع بكثير من الأوراق إلى الاحتراق قبل ان تستخدم، وخصوصاً ممن كان يراهن على بعض ما ادخره لأرذل المخطط، فلم يجد أمامه من وسيلة إلا العودة إلى النبش في الأوراق القديمة رغم إدراكه أنها محترقة ومن يعيد استخدامها لا بد أن تحترق أصابعه قبل غيره.
وتأتي الاستدراكات الموازية لها لتفتح جبهة من السجال حول تكهنات يجري تداولها في حرب التحريفات والتسريبات التي رسمت أوهامها من جديد رغم اليقين بأن العودة إلى الغوص في المستنقع ذاته، يزيد من مساحة التخبّط، ولا يمكن أن يوجد أي بوابات أو نوافذ جانبية للنفاذ من المأزق المحيط بهم.
فالواضح أننا أمام هجمة منسقة لا تكتفي بالعودة إلى الكذب والافتراء والاجتزاء، بل تشمل أيضاً التمترس خلف مواقف جرفتها التطورات والمعطيات ولم يعد من المجدي التمسك بها، أو المراهنة عليها، مروراً بالتسرع في الاستنتاج والبناء، ومحاولة التشويش هنا ورسم صورة ضبابية هناك، وصولاً في نهاية المطاف إلى خلق الانطباعات الخادعة التي تجهد لبث إيحاءات كاذبة، تتيح الفرصة لبعض مراهقي السياسة التوهم بالعودة إلى المربع الأول.
ليست القضية في إثبات أو نفي تلك الأوهام، وقد قدّمت التطورات ما يكفي من قرائن على حجمها ومساحة حضورها في المعادلات والحسابات الإقليمية والدولية التي مارست سياسة الافتراض بناء على هذه الأوهام، كما ساهمت في كشف مدى تناقضها مع الواقع ومغالطتها لكل ما فيه.
ورغم اليقين بأن الحسابات تلك لم تتطابق مع حصاد النتائج على الأرض، كما لم تتوافق مع ما تم رسمه في السياسة، ثمة من يتابع إبحاره وسط عواصف متناقضة تقتضي في الحد الأدنى الانتظار حتى تنجلي الصورة، ويمارس سياسته الهوجاء ذاتها، وكأنه لا يرى ما يجري ولا يتابع ما يحصل.
ما بات في حكم المؤكد أن أبواب دمشق المفتوحة على مصراعيها للحوار، ستبقى موصدة وعصية على المؤامرة، وعلى الابتزاز وعلى الكذب والافتراء، وعلى التكهنات والاستنتاجات كما كانت عصية على الفبركات والتقولات.
وهذه الأبواب المفتوحة تعيد خلط الأوراق وترسم معادلات تلغي ما كان قائماً منها على الوهم والكذب وعلى الافتراض، وهذه الأبواب المفتوحة تقتضي بالضرورة أن الحوار هنا في دمشق وليس في موضع آخر.
قافلة الحوار التي تمضي قدماً عبر هذا الحراك السوري الداخلي سواء على مستوى القرار الحكومي وما يتطلبه من إجراءات وخطوات ولقاءات، أم على مستوى النقاش الذي يتحرّك في مختلف شرائح المجتمع السوري، وكلما عادت تلك الأصوات المبحوحة للصراخ وللهذيان أدركنا أن المسافة الفاصلة بين القافلة وبينهم باتت أبعد من أي وقت مضى.
a.ka667@yahoo.com