رغم غياب التحشيد الإعلامي عن التحضيرات الجارية لعقد قمة بولندا المقررة أميركياً، فإن الكواليس تضج بالكثير من المداولات الجارية على قدم وساق، في محاولة محمومة للبحث عن إبرة الخلاص من المأزق وسط كومة قش، يزيد من صعوبتها غياب المقاربة السياسية لأهدافها والمشاركين فيها والغاية من الأجندات المطروحة على بساط النقاش فيها، وصولاً إلى هوية المشاركين التي تزداد وترتفع وتيرتها حيناً، وتنخفض حماسة الراغبين أو المدعوين أحياناً أخرى.
الواضح أن أميركا ليست في عجلة من أمرها في إجراء إحصاء على الرافضين والموافقين، على عكس الوضع قبل جولة بولتون الحاضر بمخالب الهيمنة، وبومبيو القادم بقفازات الدبلوماسية وخلفيتها الاستخباراتية، وليست -على الأقل ظاهرياً- قلقة من محدودية التفاعل مع دعوتها إلى القمة، خصوصاً بعد إعلان الاتحاد الأوروبي -غير الرسمي- بأنه لن يشارك فيها، وإن كانت الأسباب متباينة وغير محددة، ولا تخفي في الوقت ذاته إدراكها بأن الولايات المتحدة التي كانت تستطيع أن تجمع الغرب والشرق في ليلة واحدة، باتت غير قادرة على جمع حلفائها وأدواتها على طاولة واحدة بعد أسابيع.
ليبقى السؤال الأساسي: هل سيدفع ذلك بواشنطن لتعديل سلوكها وتغيير مقارباتها الصادمة في أكثر من قضية؟!!
الإجابة الحقيقية يمكن تلمّس ملامحها الأساسية في الصمت الأميركي حيال المواقف التي أعلنتها أكثر من جهة محسوبة على الأميركيين كحليف، ويمكن أيضاً فهم خطوطها العريضة من خلال ردة الفعل على تلك المواقف التي كانت أقرب إلى التجاهل الأميركي، وكأن حاصله بالنسبة لهم يساوي النتيجة ذاتها من حيث الفرق الذي يحدثه غيابهم وحضورهم، وأن الأمر -وتحديداً للأوروبيين- كان مسبوقاً بشق عصا الطاعة حين رفضت الخروج من الاتفاق النووي مع إيران، بل أعطت الانطباع بأنها أكثر تمسكاً به، وعلى استعداد لتحمل تبعات ذلك التمسك.
وبغض النظر عن الأسباب والموجبات التي تدفع إلى الاعتكاف عن المشاركة، فإن الرسالة الأهم التي تحتاج إلى قراءة أميركية متأنية، أن قدرتها على ممارسة حالة الاستلاب لم تعد في أوجها كما كانت عليه قبل سنوات، وأن الرغبة في مجاراة الأهواء الأميركية تشهد تراجعاً واضحاً ونزوعاً مباشراً نحو التمنع في الاستجابة لرغباتها.
وهذا يكفي لكي تشعر واشنطن بالقلق، ولكي تكون في عجلة من أمرها لمواجهة هذا التشتت في التحالفات التي تقودها إلى إخراج أكثر المتحالفين معها من قائمة الحاضرين لقمة تحشد لها، والتي تعمدت على ما يبدو أن تكون خارج المنطقة في رسالة واضحة على صعوبة جمع المتخاصمين من أدواتها داخل المنطقة، وفي الوقت ذاته رسالة تحدٍّ للأوروبيين، وإن كانت لا تخلو في نهاية المطاف من استفزاز لروسيا، باعتبارها إلى جوارها الحيوي سياسياً وجغرافياً.
ما هو محسوم بالنسبة للقمة أنها تواجه متاعب قبل أن تبدأ خطوتها الأولى، وستزداد كلما اقترب التوقيت القابل للتعديل في أي لحظة، خصوصاً أن التباينات الحاضرة اليوم لا تشكل إلا جزءاً يسيراً من عوامل التعثر التي ستواجهها الإدارة الأميركية، وصولاً إلى بيت القصيد الذي يتجسد عملياً في أن الهيمنة وحالة الاستلاب تفقد قوتها الضاربة، والأهم وفق تعبيرات المحللين الأميركيين فقدت مخالبها، التي تحولت إلى مشهد مخملي للدبلوماسية التائهة، الذي لا يشبه الأميركيين في شيء..!!
الافتتاحية
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
a.ka667@yahoo.com
التاريخ: الأحد 20-1-2019
رقم العدد : 16889