تتقاطع مصالح الدول المعتدية بشأن سورية وتتباين في الوقت ذاته، فمجموع تلك الدول تتفق على معاداة سورية واستهدافها جيشاً ومجتمعاً واقتصاداً وأفراداً، لكن مصالحها متفرقة تختلف في ترتيب أولويات عدوانها على سورية، فلكل دولة استعمارية غربية أو رجعية عربية أو تركية أجندتها الآنية، وقد تباينت تلك الأجندات بشكل كبير إثر قرار الرئيس الأميركي سحب قواته الغازية على عجل وبعد مكالمة هاتفية مع السلطان العثماني الجديد فاختلفت المواقف وضاعت الاحتمالات ووقع جميع المعتدين في مآزق لا يعرفون له حلولاً معقولة، وضمن هذا الارتباك يمكن للمتابع تفسير مسارعة دول خليجية وأوروبية للإعلان عن رغبتها في إعادة فتح سفاراتها، فضلاً عن الارتباك العربي الواضح ما بين الدعوات لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية وتراجع البعض عن تلك الدعوات خلال ساعات محدودة، الأمر الذي يشير إلى صدور تعليمات وأوامر غربية، وهي أميركية في الغالب بالتراجع عن دعوة سورية للمشاركة في قمة تونس القادمة أواخر آذار القادم على الرغم من تبني أكثر من عشر دول عربية مشروع العودة ومطالبة مجلس الجامعة بتوجيه الدعوة لسورية، ومن غير المستبعد أن التعليمات والأوامر الأميركية لا تقف عند هذا الحد فثمة قرارات بعدم الاستمرار في الاتصالات الهادفة إلى إعادة فتح بعض السفارات والتوقف عن تلك المساعي إضافة إلى الطلب من نفس الحكومات التراجع عن عروضها في المشاركة في عملية إعادة الإعمار بعدما كانت شركات ومؤسسات الكثير من الدول تتمنى قبولاً أولياً من سورية للموافقة على دخول شركاتها.
ولعل نقطة الاختلال الكبرى تتركز في العدوان التركي على أكثر من منطقة والحديث عن أطماع بمناطق جديدة وخاصة تلك التي ستخرج منها القوات الأميركية فيما إذا التزم ترامب بتصريحاته موقعاً كلاً من الأتراك وحلفائه من المجموعات المسلحة الكردية في حالة من التخبط والمواجهة المفتوحة، وما رافق ذلك من اختلاف في توجه القيادات العسكرية والسياسية في الذهاب بعيداً في الارتهان للغرب الاستعماري أو مطالبة البعض ودعوتهم للعودة إلى الشرعية الوطنية والاستفادة من التجارب الأميركية في استخدامهم وتوظيفهم مرحلياً ثم رميهم والاستغناء عنهم والتضحية بوجودهم وبأرواحهم أمام أول متغيرات أو تطورات مستجدة. الواقع أن جميع الحكومات المعتدية تدرك أن مشاريعها العدوانية الإرهابية قد فشلت في سورية وتدرك أنها لن تستطيع تحقيق أي هدف بعيد من أهدافها، لكنها لا تستطيع الاعتراف بتلك الحقيقة فتأخذها العزة في العدوان وتحاول البحث عن آلية جديدة للتخفيف من نتائج الإنجازات التي تحققت على امتداد السنوات الثماني الماضية فتتابع حربها الاقتصادية والسياسية وتعيد توظيف ماكينة الإعلام المعادي والحرب النفسية بموازاة فرض عقوبات على جميع الدول التي تحارب الإرهاب كحكومات وأفراد علّ ذلك يؤثر في جوهر الانتصارات والإنجازات المتحققة، وينسى المتآمرون هنا أن هذا الأسلوب سبق اتباعه ضد سورية لكنه سقط وانتهى ولن يكون مصير هذه المؤامرات الجديدة بخلاف سابقاتها.
مصطفى المقداد
التاريخ: الأثنين 28-1-2019
رقم العدد : 16895