من يدخل بتفاصيل العقوبات الاقتصادية الأمريكية الجائرة على سورية، ومحور المقاومة عموماً، يصاب بذهولٍ حقيقي من تلك الأهداف التي ترمي إليها العقوبات، ومن تلك الذرائع التي تبرر بها الولايات المتحدة الأمريكية ما تفعله بحق الشعب العربي في سورية، ومن يصدّق ما تُروّج له واشنطن بهذا الشأن يشعر بأننا كشعب مجرد مجرمين، نهدد أمن الحدود مع الولايات المتحدة، وسلامة أبنائها، كما نُشكل خطراً داهماً على أمنها القومي..!
حيث تزعم الولايات المتحدة أنها ضبطت شبكات كانت تقوم بتوريد النفط والغاز المسال إلى سورية، وتقوم بتوصيف وتحديد حركة التوريد هذه، فتحدد البائع والشاري والوسيط، ومن خصص الأموال ومن حوّلها وعن أي طريق، وهذا كله بنظر واشنطن عبارة عن جرائم لا تُغتفر، وتوصّف الأمر فعلياً عبر بياناتٍ رسمية يصدرها ما يسمى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، ثم يدخل ما يأتي عليه البيان موضع التنفيذ..!
والغريب أنّ مكتب (أوفاك) قد أدخل الكثير من الأفراد والكيانات السورية في بياناته وحددهم كمعاقبين لا يسمح بالتعامل معهم لا في أمريكا فقط، وإنما بمختلف أنحاء العالم، وكل من يتعامل معهم سواء كانوا أفراداً أم مؤسساتٍ أم دولاً فإن العقوبات ستسري عليهم، فتخيلوا أن مصفاة بانياس – مثلاً – تدخل ككيانٍ مُعاقب، ولذلك كان من الجرائم التي لصقتها أمريكا ببعض مورّدي النفط إلى سورية، أنهم قاموا بتوريده إلى مصفاة بانياس وهذه جريمة لأن المصفاة تدخل قائمة العقوبات..!!
وكذلك شحنات الغاز المسال الواصلة إلى بانياس، فإن كل من ساهم بإيصالها صار مجرماً ومتورّطاً بالعقوبات الصارمة التي تلاحقه بلعناتٍ أمريكية..!!
السورية للطيران أيضاً مؤسسة مجرمة بمنظار واشنطن ولا يجوز التعامل معها، ولا تزويدها بالوقود ولا بقطع الغيار ولا بإجراء الصيانات ولا العمرات لطائراتها..!
وكذلك مصرف سورية المركزي، فلو أنه واحد من مؤسسات المافيا في شيكاغو ما كانت لتُظهره الولايات المتحدة إلى هذا الحد من الوجه الإجرامي البشع، فهي تُحرّم التعامل معه ولا يجوز تحويل الأموال منه، ولا التورّط بالتحويل إليه مهما تكن أسباب تلك التحويلات، وقد سبق (لأوفاك) أن ضبط أحد الأشخاص متلبّساً – كما يقول – يحوّل أموالاً من المركزي لتسديد ثمن إحدى شحنات الغاز، فنزل عليه الغضب الأمريكي، وصار ممنوعاً على أحد أن يتعامل معه…!
وهناك الكثير الكثير من مثل هذه التفاهات الأمريكية علينا وعلى حزب الله وعلى إيران وعلى روسيا أيضاً..!
نحن كمواطنين يمكننا أن نتفهّم خلافنا مع أمريكا باعتبارها تدعم وبلا حدود الكيان الصهيوني المغتصب لأرضنا وحقوقنا، التي ليس من الوارد التنازل عنها إطلاقاً بسياساتنا ولا بضمائرنا، فلتمنع عنّا ما تشاء من المنتجات والسلع الأمريكية، و(بالناقص منها ومن سلعها)، ولكن أن تحاول حرماننا من أبسط مقوّمات الحياة، ومن أينما أتت، وتضرب طوقاً على احتياجاتنا، وتستمر بتنصيب نفسها شرطياً على العالم، وتتدخّل بحركة سلع العالم وتحويلات أموال الدول، وتخريب أدق تفاصيل حياتها..؟ فإن هذا ما لا يمكن أن يُطاق وعلى دول العالم ألا تستيقظ فقط، بل أن تُسارع في الاستيقاظ، وتُلاقي لهذا العدوّ وتجابهه وتكبح من جماح أخطاره على البشرية..!
علي محمود جديد
التاريخ: الأثنين 28-1-2019
رقم العدد : 16895