إدمان الإنترنت.. التحدي الرقمي للشباب كيف نتعامل معه؟

دمشق – ميساء العجي:

في زمنٍ باتت فيه الشاشة نافذتنا إلى العالم، يتزايد حضور الإنترنت في حياة أبناء المجتمع يوماً بعد يوم، خاصة بين فئة الشباب.

تقول السيدة هالة عبد الكريم، أمّ لثلاثة طلاب في المرحلة الإعدادية: كنت أظن أن السماح لأطفالي باستخدام الإنترنت بحرية يساعدهم في دراستهم، لكني لاحظت أنهم صاروا أكثر توتراً وعزلة وبحالة من الشرود الدائم والتعلق بأمور خيالية، فبدأنا نحدد ساعات معينة للإنترنت، وخصصنا وقتاً للعائلة بدون هواتف، تدريجياً، تحسّن تفاعلهم وصاروا أكثر تركيزاً.

وهكذا مع الانتشار الواسع للهواتف الذكية التي أخذت تهدد التوازن النفسي والاجتماعي لجيلٍ كامل، تبين الاختصاصية التربوية رشا النجار أن الإنترنت، رغم فوائده الكثيرة لكنه يشبه السيف ذا الحدّين.

فمن جهة، فتح أمام الشباب السوري آفاقاً جديدة للتعلّم الذاتي، والاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى، والمشاركة في النقاشات الفكرية والثقافية، كما أسهم في دعم التعليم الإلكتروني خلال فترات الانقطاع أو الأزمات، وأتاح فرص عمل حر عبر المنصات الرقمية، لكن في الجهة المقابلة، أدّى الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الألعاب إلى تراجع الاهتمام بالدراسة والعلاقات الاجتماعية، وزيادة مستويات التوتر والعزلة.

وتضيف النجار: إن ملاحظات ميدانية من بعض المدارس في دمشق وريفها تشير إلى أن عدداً متزايداً من الطلاب يقضون أكثر من عشر ساعات يومياً أمام الشاشات، ما ينعكس على نومهم، تركيزهم، وصحتهم الجسدية.

وعن علامات الإدمان ومؤشرات الخطر توضح الأختصاصية التربوية أن إدمان الإنترنت لا يظهر فجأة، بل يتسلل بهدوء إلى حياة المستخدم حتى يفقد السيطرة على الوقت والانتباه.

ومن أبرز المؤشرات التي يمكن أن يلاحظها الأهل والمعلمون:حالة الانعزال عن الأسرة والأصدقاء والرغبة في البقاء منفرداً مع الهاتف أو الحاسوب، وأيضاً انخفاض الأداء الدراسي وتراجع الدرجات بسبب السهر المستمر.

بالاضافة إلى العصبية الزائدة أو القلق عند انقطاع الإنترنت أو ضياع الهاتف، وإهمال النشاطات الرياضية والاجتماعية، ناهيك عن اضطرابات النوم وفقدان الشهية.

هذه العلامات جميعها كما يقول الخبراء، يجب ألا تُهمَل، لأنها تشير إلى بداية اعتماد نفسي وسلوكي على العالم الرقمي الذي قد يتطور لاحقاً إلى اضطراب يحتاج إلى تدخل مهني.

نظرة من الميدان

في جولة على عدد من المدارس أكد عدد من الأساتذة في مدارس دمشق وريفها أنه في السنوات الأخيرة لوحظ ارتفاعاً في عدد المراهقين الذين يقضون ساعات طويلة على الإنترنت دون وعي بالوقت.

إذ كثير منهم يجد في العالم الافتراضي وسيلة للهروب من ضغوط الحياة اليومية أو مشاعر الوحدة، ما يخلق حالة من الانفصال التدريجي عن الواقع.

لذلك تؤكد النجار أن التوعية المبكرة ضرورية جداً، فمراقبة الأهل ليست هدفها المنع، بل الإرشاد نحو الاستخدام المتوازن، ولا بد من تحديد أوقات محددة للشاشات وتشجيع الطفل أو الشاب على ممارسة نشاطات ميدانية تحفز طاقاته الإيجابية.

وتلفت النجار إلى أن تفاقم هذه الظاهرة في سوريا يرتبط جزئياً بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها المجتمع خلال السنوات الأخيرة.

فكثير من الأسر تعيش ضغوطاً تجعل الأهل مشغولين عن متابعة أبنائهم، في حين يجد الشباب في الإنترنت مهرباً من القلق، البطالة، والفراغ.

كما أنّ ضعف توفر المساحات العامة الآمنة للترفيه أو النشاطات الثقافية، يدفع المراهقين إلى استبدال التواصل الواقعي بالافتراضي.

وحول الحلول والتدخلات الممكنة

لمعالجة هذه الظاهرة، تؤكد النجار أنه لا بد من تنفيذ مجموعة من الخطوات العملية التي تبدأ من داخل الأسرة وتمتد إلى المدرسة والمجتمع:

مثل تنظيم الوقت: عبروضع جدول يومي لاستخدام الإنترنت، بحيث يتناسب مع الدراسة والراحة والنشاط البدني.

و تعزيز البدائل الواقعية: كتشجيع الرياضة، القراءة، والرسم، والمشاركة في الأعمال التطوعية، والتثقيف التكنولوجي تكون بإقامة ورش عمل توعوية للأهالي والطلاب حول الاستخدام الأمن والمسؤول للتكنولوجيا، وأيضاً الرقابة الذكية، وهذه لا تكون بالمنع القسري، بل بالحوار والإقناع وتقديم القدوة الحسنة في الاستخدام المعتدل، دون أن ننسى الدعم النفسي: عند ظهور بوادر قلق أو اكتئاب، يجب عدم التردد في استشارة مختصين نفسيين.

وفيما يخص دور الإعلام والمدرسة

في هذا السياق، تشير النجار إلى أن وسائل الإعلام تلعب دوراً مهماً في توعية المجتمع، من خلال نشر قصص واقعية وتحقيقات حول آثار الإدمان الرقمي.

كما يُفترض بالمدارس أن تكون مركزاً للتربية الرقمية، تُدرّس فيها مهارات إدارة الوقت، والتفكير النقدي، وكيفية التمييز بين المحتوى المفيد والمضلل، فالمدرسة ليست فقط مكاناً للتعلّم الأكاديمي، بل بيئة لصناعة الشخصية المتوازنة القادرة على التعامل مع التكنولوجيا بثقة ووعي.
مشيرة إلى أنه في زمنٍ يصعب فيه فصل الإنترنت عن حياتنا، يبقى التوازن هو الحل، لذلك يمكن للشباب أن يستخدموا التكنولوجيا كجسرٍ للعلم والمعرفة، دون أن يسمحوا لها بابتلاع وقتهم وحياتهم.

كما أن المشكلة ليست في الإنترنت ذاته، بل في الطريقة التي نستخدمها، وبالتالي من يتعلم إدارة وقته على الشبكة، يستطيع تحويلها إلى أداة نجاح، بينما من يستسلم لإغراءاتها سيجد نفسه غارقاً في عزلة رقمية صامتة.

نحو جيل رقمي متوازن

وأخيراً تؤكد النجار أن جيل اليوم هو جيل الغد الرقمي، والمسؤولية تقع على الجميع لتوجيهه نحو الاستخدام الواعي للتكنولوجيا، كما لا يمكن إنكار أن الإنترنت جزء أساسي من مستقبل سوريا، في التعليم، الاقتصاد، وحتى في الخدمات الحكومية، لكن الاستخدام المفرط دون وعي قد يهدد استقرار هذا المستقبل.

لذلك لا بد أن يكون الوعي هو السلاح، فإدمان الإنترنت ليس قدراً محتوماً، بل تحدٍ حضاري يمكن تجاوزه بالوعي والانضباط.

الشباب السوري يمتلك من الذكاء والإرادة ما يجعله قادراً على تسخير الإنترنت في خدمة العلم والبناء، لا أن يكون أسيراً له.

آخر الأخبار
"مرور حمص" يبرر منع وصول السرافيس إلى المدينة الجامعية كيف نضمن اختيار المنظومة الشمسية ونتجنّب غش الدخلاء؟ هل نجحت سوريا في اقتصاد السوق الحر؟ بعد عام على التحرير.. سوريا تفتح أبوابها للعالم في تحوّل دبلوماسي كبير " متلازمة الناجي".. جرح خفي وعاطفة إنسانية عميقة خطوة ذهبية باتجاه "عملقة" قطاع الكهرباء بين واشنطن وموسكو وبكين.. دمشق ترسم سياسة خارجية متوازنة مشاعر الأمومة الفطرية والتعلق المرضي... أين الصواب؟ شباب اليوم.. طموح يصطدم بجدار الفرص المحدودة الصين تعلن استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا الأوجاع المؤجلة.. حين يتحوّل الصبر إلى خطر "سوق الجمعة".. اقتصاد شعبي وسط الضجيج إدمان الإنترنت.. التحدي الرقمي للشباب كيف نتعامل معه؟ "صناعة حلب" تواصل استعداداتها لانطلاق "مهرجان التسوق" سوريا تبدأ موجة من الدبلوماسية القوية بعد سقوط الأسد استياء شعبي بعد رصد صورة لـ "المخلوع" داخل "تربية حلب" الانتخابات في سوريا.. الوزير الشيباني يطرح ملف الشرعية الشعبية إنتاجية زيت الزيتون بدرعا في أدنى مستوياتها.. وأسعاره تتجاوز المليون ليرة ارتفاع أسعار الألبسة الشتوية.. بين محدودية الدخل و"الهروب إلى البالة" لا زيادة على الغاز: "الطاقة" تؤكد وفرة المخزون واستقرار الأسعار