الثورة – لينا شلهوب:

مع اقتراب فصل الشتاء، يجد السوريون أنفسهم أمام موجة جديدة من الغلاء تطال أساسيات المعيشة، وعلى رأسها الألبسة الشتوية التي باتت تباع بأسعار غير مسبوقة في أسواق دمشق، فخلال الأيام الأخيرة، سجّلت الأسواق ارتفاعاً تراوح بين 30 و 40 في المئة مقارنة بالعام الماضي، ليغدو شراء كنزة أو بنطال عبئاً يضاف إلى سلسلة أعباء لا تنتهي.
أسعار بعيدة عن قدرة الشراء
في سوق الصالحية، حيث تتجاور المحلات الشعبية مع الوكالات المعروفة، أصبحت الكنزة الشتوية تباع ما بين 200 و 250 ألف ليرة سورية، ومنها ما يصل إلى 300 ألف ليرة، فيما يرتفع سعر بنطال الجينز النسائي العادي إلى حدود 200 ألف ليرة، والبعض وصل إلى 300 ألف ليرة، أما الأنواع المستوردة فتتجاوز الـ 300 ألف بسهولة، وفي قسم الألبسة الرجالية، وصل سعر الطقم الجوخ في الوكالات ما بين 850 ألف ليرة حتى المليون ليرة، بينما يتراوح في الأسواق العادية بين 350 و 400 ألف ليرة، فيما يباع القميص بنحو 180 ألفاً والبنطال الرجالي بـ 250 ألفاً.
هذه الأرقام لا تتناسب ــ وفق رأي كثير من المتسوقين ــ مع متوسط الدخل الشهري الذي لا يكفي اليوم لشراء سوى بضع قطع، وتقول نهى الخطيب، وهي موظفة حكومية تبحث عن “كنزة” لابنها: لم يعد بإمكاننا التفكير بشراء كسوة شتوية كاملة، إذ إن قطعة واحدة تكاد تعادل نصف الراتب، لذا نضطر الآن للاستغناء عن النوعية والتركيز على الأرخص مهما كانت جودته.
لسنا السبب.. فالتكاليف تزداد
من جهتهم، يرفض أصحاب المحلات تحميلهم مسؤولية ارتفاع الأسعار، حيث يؤكد سامر العجلاني صاحب متجر في الحريقة، أن المشكلة تتعلق بسعر المواد الأولية وتكلفة الإنتاج والنقل، وكما يشير فإن سعر الخيط ارتفع، والقماش أيضاً، كذلك أجور الخياطة ارتفعت، وحتى الكهرباء والمولدات أسعارها بارتفاع، لافتاً إلى أنه يتم البيع بهامش ربح بسيط، وبغير ذلك لا نستطيع الاستمرار، ويضيف أن بعض الزبائن يعتقدون أن الارتفاع مبالغ فيه، لكنّه يؤكد أن أصحاب المتاجر يدفعون ضعف ما كانوا يدفعونه العام الماضي، وهذا ينعكس مباشرة على السعر النهائي.
“البالة” ملاذ اقتصادي
أمام هذا الواقع، تتوسع ظاهرة الإقبال على “البالة”، حتى لدى عائلات كانت تستبعد الفكرة سابقاً، حيث تمتاز هذه الأسواق بأسعار تتراوح بين 40 و 100 ألف ليرة للقطعة، حسب نوعها وحالتها، ويشير ميار دبوس، طالب جامعي، إلى أن شراء ثياب جديدة أصبح رفاهية لا يستطيع تحملها، مضيفاً: أفضّل البالة لأنها الأنسب لميزانيتي، ويمكنني اختيار قطع جيدة إذا بحثت جيداً، لكنّه يعترف بوجود مخاوف تتعلق بالنظافة، قائلاً: ألبسة البالة لا نعرف مصدرها الحقيقي، ولا توجد رقابة واضحة، لكننا نضطر للجوء لها واقتنائها.
أصحاب محلات البالة يدافعون بدورهم عن تجارتهم، إذ يقول فادي اللباد صاحب محل في جرمانا: نقوم بفرز القطع وتعقيمها قدر المستطاع، منوهاً بأن المواطن يريد بديلاً يناسب دخله، وهذا ما نسعى لتقديمه، وأسعار البسة البالة ليست رخيصة كما يعتقد البعض، لكنّها أقل بكثير من المحلات الجديدة.
العوامل الاقتصادية قاسية والرقابة مستمرة
مصدر في مديرية حماية المستهلك بدمشق نادر النصر الله يوضح لـ “الثورة” أن المديرية تجري جولات دورية لضبط الأسعار، لكنّها لا تستطيع التحكم في ارتفاع التكاليف المرتبطة بسعر الصرف وكلفة الاستيراد، مبيناً أنه يتم مراقبة الفواتير وهوامش الربح، لكن عندما يرتفع سعر المادة الخام عالمياً أو تزداد نفقات الإنتاج محلياً، ينعكس ذلك على السوق بشكل مباشر، أما بخصوص “البالة”، يشير إلى أن الرقابة موجودة لكن يتم إدخال هذه البضائع غالباً بطرق غير نظامية، ما يصعّب ضبطها كلياً.
سوق يعيش على المفارقات
يقف السوريون اليوم بين خيارين أحلاهما مرّ- حسب رأي الخبير في الشؤون الاقتصادية محمد خليل- إما شراء ألبسة جديدة بأسعار منهكة للدخل، أو اللجوء إلى أسواق البالة التي تعد أقل تكلفة لكنها بلا ضمانات واضحة، وبين هذا وذاك، تبقى الحاجة للملابس الشتوية أمراً لا يمكن تأجيله، ما يفاقم الضغوط على الأسر مع بداية فصل جديد يحتاج إلى تجهيزات إضافية.
وفي ظلّ غياب حلول جذرية وتراجع القدرة الشرائية، يبدو أن السوق السوري سيستمر في إنتاج مشاهد التفاوت بين العرض والطلب، حيث تتعدد الخيارات لكن القدرة على الاختيار باتت حكراً على القلّة، فيما يبقى معظم المواطنين أسرى لأرخص ما يمكن الوصول إليه، لا أفضل ما يمكن شراؤه.