الثورة – سامر البوظة:
على الرغم من كل المعوقات، تمضي الدولة السورية بخطا ثابتة وواثقة نحو بناء سوريا الجديدة، وهو ما بدا واضحاً من خلال الخطوات والإجراءات المتلاحقة والملموسة التي دأبت الحكومة السورية على تنفيذها منذ اللحظات الأولى للتحرير.
وتأتي تصريحات وزير الخارجية، أسعد الشيباني، التي أطلقها خلال زيارته الأخيرة للندن، لتؤكد أن الدولة السورية ماضية في مسيرة التغيير والإصلاح، وبناء دولة مؤسسات عصرية تقوم على أسس من الحرية والديمقراطية وتحقق آمال السوريين وتطلعاتهم.
ويُعد إعلانه عن نية الحكومة إجراء انتخابات رئاسية خلال أربع أو خمس سنوات، وعن أن سوريا ستشهد حضوراً متعدداً للأحزاب وتوسيعاً للمشاركة السياسية، أكبر دليل على ذلك.
تعزيز للخطاب الإصلاحي
يرى مراقبون أن تصريحات الوزير الشيباني تعكس رؤية الدولة السورية ومحاولتها رسم خريطة طريق سياسية جديدة تتوافق مع الضغوط الداخلية والخارجية.
ويعزز تحديد موعد الانتخابات الرئاسية الخطاب الإصلاحي الرسمي، ويعيد طرح ملف الشرعية الشعبية، وهو جزء أساسي من سياق المرحلة الانتقالية والسياسة التي انتهجتها وتنهجها الحكومة والقيادة السورية في مواضيع داخلية عدة، والتي تهدف بشكل رئيس إلى إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
وبالطبع، سيتبع هذه الانتخابات وضع دستور جديد ودائم للبلاد تضعه لجنة تأسيسية ويُعرض للاستفتاء على الشعب السوري. وكل هذه الإجراءات التي تحدث عنها الوزير ليست مجرد تصريحات، وإنما هي حقائق ووقائع ستسير بها الدولة، وما قامت به منذ بداية التحرير يؤكد ذلك، والأمثلة كثيرة، سواء من خلال عقد مؤتمر وطني للحوار، أو إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية وأخرى للمفقودين، وصولاً إلى تشكيل حكومة تشاركية وإصدار إعلان دستوري، وغيرها من الإجراءات.
وأكد الباحث والمحلل السياسي، عبد الله الحمد، أن تصريحات الوزير الشيباني جاءت من لندن لتعطي إشارات بأن سوريا تتحول إلى المرحلة الديمقراطية، وتسير بخطا واثقة خلال المرحلة الانتقالية، وتؤسس لنظام سياسي جديد مختلف عن عهد النظام المخلوع وإرث انتقال السلطة.
إعادة طرح ملف الشرعية الشعبية
وفي حديث لصحيفة “الثورة”، أوضح الحمد أن سوريا اليوم تبحث عن قاعدة أو نواة حقيقية تكون مدخلاً لإعادة بناء الشرعية السياسية، وستعيد هذا الملف إلى الشعب ذاته لأنه هو من سيقرر.
وأشار في الوقت نفسه إلى أن المرحلة الانتقالية خصوصيتها وأدواتها، لذلك تعول الحكومة السورية اليوم على الدعم العربي والإقليمي والغربي، وحتى من الولايات المتحدة الأميركية، لبناء منظومة سياسية حقيقية تؤسس لمرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية، تكون فيها الإجراءات السياسية طبيعية ومنطقية، وتستمد مرجعيتها من الشعب، وتحظى بمباركة دولية.
وأضاف: “إذاً، نحن نتحدث عن عهد جديد تخوضه الدولة السورية اليوم لبناء سوريا الجديدة والجمهورية الجديدة”.
وأكد المحلل السياسي، أن سوريا اليوم قد قطعت أولى خطواتها الهامة بتشكيل مجلس الشعب، هذا المجلس المنبثق من رحم الثورة السورية التي شعارها الحرية والديمقراطية والمجتمع السوري الموحد بجميع مكوناته وعرقياته وإثنياته.
وأوضح أن السلطات السورية بحاجة اليوم إلى بنية تحتية جديدة للبيانات، وأن إعادة إنشاء هذه البنية تحتاج إلى وقت، لأنها تشمل تحديث البيانات السكانية.
وأضاف الحمد، أن هذه الانتخابات يجب أن تكون وفقاً للمعايير الدولية، بالإضافة إلى تحديد آلية تطبيقها، مشيراً إلى وجود نماذج كثيرة اليوم في العالم للتحول الديمقراطي أو لعبور المرحلة الانتقالية وصولاً إلى مرحلة مستقرة ومزدهرة سياسياً.
ومن بين هذه الأدوات، يُعد مجلس الشعب أحد أهم الخطوات الحكيمة التي اتخذتها القيادة السورية، إلى جانب خطوات أخرى، مثل عقد مؤتمر للحوار الوطني، وتأسيس هيئة للعدالة الانتقالية، وتشكيل حكومة تشاركية تمثل جميع شرائح وأطياف الشعب السوري.
وتابع الحمد: “إننا اليوم، وأمام التحديات الكبيرة التي تعيشها الساحة السورية، شهدنا خطوات نوعية على الصعيد الدبلوماسي”. وأكد أن هذه المشهدية الكاملة تؤسس ضمن المرحلة الانتقالية لحياة سياسية طبيعية وديمقراطية، ولكننا بحاجة إلى إطار زمني وحزمة من التشريعات المتعلقة بهذا الموضوع، خصوصاً أن مجلس الشعب سيعقد أولى جلساته قريباً، وسيمر عبره قانون الأحزاب وقرارات الهيئات ومنظمات المجتمع المدني، التي تشكل اليوم أداة متقدمة لتطبيق الديمقراطية ليس فقط في سوريا، وإنما في كل دول العالم.
ويمكن الاستفادة من هذه التجربة في سوريا للوصول إلى خلاصات سياسية واجتماعية تمهد لانتخابات رئاسية حقيقية لم تشهدها سوريا منذ أكثر من نصف قرن.
آلية الانتخابات
وفي هذا السياق، بيّن الحمد أن سوريا، حتى الآن، قد أسست ضمن المرحلة الانتقالية لإعلان دستوري مؤقت سيحكم المرحلة الانتقالية فقط.
وخلال هذه الفترة، ستكون هناك دورتان برلمانيتان سيُقر خلالهما دستور سوري شامل يُستفتى عليه.
وبعدها، ستكون سوريا محررة بالكامل، لأنه كما هو معلوم، هناك بعض المناطق السورية خارج سيطرة الدولة، ما يعيق العملية الانتخابية وعملية الاستفتاء الشعبي.
لذلك، نحن اليوم بحاجة أولًا إلى تقوية الأجهزة الأمنية لفرض سيطرتها، من خلال الوصول إلى حوارات وطنية أو تحالفات عربية أو إقليمية، أو حتى مع الولايات المتحدة الأميركية.
ولدينا أيضاً المناطق التي تحتلها إسرائيل، والتي تحتاج إلى مراجعة شاملة.
وخلال هذه الفترة الانتقالية، عندما تمهد الأرضية، ستكون هناك انتخابات شعبية ديمقراطية، إما عن طريق الأحزاب التي سيُرخص لها داخل سوريا، أو عن طريق بقية الفئات من عمال وفلاحين وصغار كسبة ومثقفين وأكاديميين، والنوادي الاجتماعية والهيئات الفاعلة في المجتمع المدني.
وسيتم الوصول إلى آلية ربما يُستفتى عليها من قبل الشعب، وفي حال إقرارها، سيتم اعتمادها بما لا يخالف القوانين والتشريعات والمعايير الدولية؛ لكي تحصل هذه الانتخابات على اعتراف دولي وتمثيل حقيقي على المستويات المجتمعية الداخلية والعربية والإقليمية والدولية.
وكان وزير الخارجية، أسعد الشيباني، قد أعلن خلال جلسة حوارية في “تشاتام هاوس” بالعاصمة البريطانية لندن، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أن سوريا ستشهد انتخابات رئاسية خلال أربع أو خمس سنوات، في إطار مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء المؤسسات وتعزيز التعددية السياسية.
تفاعل واسع
أثارت تصريحات الوزير الشيباني وحديثه عن الانتخابات المقبلة تفاعلاً واسعاً وآراءً متباينة لدى السوريين على منصات التواصل الاجتماعي، بين من يرى فيها خطوة نحو بناء سوريا جديدة، وبين مشكك في مصداقيتها وجديتها، بالإضافة إلى بعض الآراء التي ربطت الانتخابات بالضغوط الخارجية.
وجرى رصد 920 تعليقاً رقمياً على 9 منصات خلال 24 ساعة من تداول التصريحات، وكانت نسبة 54% من هذه التعليقات مؤيدة وداعمة للمسار الانتقالي، عبّر من خلالها المعلقون عن دعمهم لفكرة الانتخابات كمدخل للتغيير وخطوة نحو الاستقرار، وتضمنت عبارات مثل: “نريد صناديق اقتراع لا بنادق”، و”كلام الشيباني فيه أمل”، و”الانتخابات بداية الطريق”.
في حين بلغت نسبة التعليقات المعارضة 14%، وشكك أصحابها في جدية الطرح وغياب الضمانات، وتضمنت تساؤلات مثل: “هل فعلًا ستُجرى؟”، و”نفس الوعود منذ 2012″، و”بدون دستور جديد لا معنى للانتخابات”.
أما نسبة التحليل السياسي في هذه التعليقات فقد بلغت 32%، وتركزت على ربط التصريحات بالضغوط الدولية ومسار العدالة الانتقالية.
لا شك في أن تصريحات وزير الخارجية، أسعد الشيباني، حول الانتخابات الرئاسية تشكل منعطفاً سياسياً في الخطاب الرسمي، وتعيد طرح ملف الشرعية الشعبية كأداة لإعادة بناء الدولة.
ويعكس التفاعل الجماهيري توقاً للتغيير، لكنه يطالب بضمانات تنفيذية واضحة تعزز الثقة بين الدولة والمجتمع، وتضمن أن تكون الانتخابات القادمة خطوة حقيقية نحو التحول السياسي.