شهوات وأطماع الولايات المتحدة في فنزويلا التي تعود الى عشرات السنين تبلغ ذروتها اليوم حين تعين رئيساً لها لم يكن يوماً مرشحاً لهذا المنصب وتشرعنه واشنطن دون أي مسار ديمقراطي لتدفع هذا البلد الى حافة حرب أهلية.
إن قرار أمريكا الاعتراف بهذا الشخص خوان غوايدو رئيساً رسمياً لفنزويلا هو صفحة جديدة من سجلها العدواني تضيفه الى صفحاتها الإجرامية من العدوان خلال العقود الأخيرة وتدمير بلدان مثل العراق وليبيا وسورية، حيث شهدنا حروباً حولت العراق الى مقبرة حقيقية لثلاثة ملايين شخص وفي ليبيا مئات الآلاف من الضحايا كذلك الأمر في سورية وفي كل مرة كانت تتدخل تحت مسميات وذرائع إنسانية بأنه جاءت لنجدة شعوب مظلومة تقمعها حكوماتها المستبدة وكان يتم ذلك بتغطية إعلامية مفبركة قامت بها وسائل اعلام سخرت أجهزتها كلها لخدمة هذا الغزو بل كانت ومازالت تستبسل في التغطية بجميع وسائلها التقنية ضد الشعوب المستقلة ذات السيادة وقد وصل بها الأمر الى تحويل هذه الشعوب الى إرهابية وحكوماتها الى مرتزقة.
ما يحدث اليوم في فنزويلا يتطابق تماماً مع هذه الاستراتيجية، إنه الخطاب الحربي ذاته لواشنطن التي يسيل لعابها لإثارة حرب أهلية في فنزويلا، وللتذكير فإن التكتيك ذاته تم استخدامه قبل غزو ليبيا التي كانت تعقد عليها آمالاً في القارة الإفريقية فتحولت الى بلد يعيث فيها الارهاب بعد أن دمرتها قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة خلال أيام وحولت أرضها الى جحيم حتى وصل الأمر الى بيع العبيد هناك جهاراً.
ما نخشاه في الأيام القادمة أن يؤدي قرار واشنطن هذا الى إشعال فتيل حرب أهلية في فنزويلا تمتد الى غير بلدان تكون نتائجها كارثية، لقد أوحت واشنطن بفعلتها هذه أنه في فنزويلا لا ديمقراطية وأن رئيسها ليس سوى ديكتاتور ولا تتم الاشارة الى أنه انتخب ديمقراطياً في أيار الماضي بنسبة 68% في انتخابات عامة مباشرة ولا أنه أقسم اليمين الدستورية بدعم السلطات الفنزولية والاعتراف بشرعيته كرئيس من أكثر من مئة دولة عبر العالم، والى الذين يظنون أن المقصود هو مادورو هم مخطئون مع أنه لا أحد يدعي أن مادورو ملاك ولا أحد يدعي أن الشعب الفنزويلي ليس له الحق أن يعترض أو يناقش رئاسته، لكن الغريب هو السذاجة في تجاهل التدخل الأمريكي في شؤون هذا البلد منذ عهد جورج بوش الابن والمحاولات الأمريكية الشرسة للإطاحة بحكم هوغو شافيز على مدى عشر سنوات، ولا بد من القول: إنه أياً كان الوضع الداخلي في فنزويلا حالياً فهو أشبه بجنة نسبة لما يمكن أن يحدث لو حصل تدخل غربي، فالحكم فيها ليس استبدادياً وأزمتها ليست عضوية وليس الاشتراكية وحدها من قادت الى المصير المرعب للشعب الفنزويلي إنما عقود من الزمن فرضت فيها العقوبات عليه ما دفع بالاقتصاد الى الفوضى، كما تسبب بانهيار العملة وتجويع الناس تلك كانت هي الخطة منذ زمن طويل وهذا ما يشير اليه جورج غالاوي بالقول: «قبل اطلاق القنابل هم يطلقون أولاً رواياتهم» فالقصف عن طريق التضليل الاعلامي في فنزويلا كان الأطول في التاريخ، والمبالغ الأمريكية التي صرفت على التزوير الإعلامي كانت طائلة جداً للتشويه والتخريب، انقلابات عسكرية وتهديد بالاجتياح طوال فترة عهد الرئيس شافيز.
أيضاً للذين لا يعرفون فإن احتياطي البترول في فنزويلا هو الأهم في العالم إذ يقدر بـ 297 مليار برميل وكانت كاركاس وموسكو وقعتا اتفاق استثمار قيمته 5 مليارات دولار لزيادة الانتاج النفطي في فنزويلا بمقدار مليون برميل يومياً وقد تم اتخاذ هذا القرار لمواجهة العقوبات الأمريكية التي شلت البلاد وهذا ما أزعج الكثير من المحافظين الجدد وأكثر من حقول النفط فإن فنزويلا معروفة بمناجم الذهب الغنية وكانت كاراكاس قد أعطت الضوء الأخضر لروسيا أيضاً للبدء باستخراج الذهب من البلاد لضرورة الالتفاف على العقوبات الأمريكية فنزويلا من أكبر مالكي الذهب في العالم «المرتبة 25» وهذا في الواقع يشكل تهديداً مباشراً للنظام المصرفي العالمي، فمن يفكر أن مصالح أمريكا في فنزويلا هي إنسانية فهو يجهل وبغباء أهداف التدخل الأمريكي الذي يثبت العكس، فكما فعلوا في ليبيا عندما قرروا الاطاحة بالقذافي ليس لأهداف إنسانية لكن لأنه كان سيطلق عملة موحدة في افريقيا وهذا كان سيشكل تهديداً وجودياً واضحاً للبنوك المركزية وفي داخل النظام المالي والسياسي الغربي وقبل تنصيب غوايدو كانت فنزويلا قد قامت بخطة مشابهة، الآن نحن على شفا غزو كامل للبلاد فالصناعة العسكرية الأمريكية ليس أمامها خيارات سوى الحرب لتحمي نفسها في وقت أخذت ترتد فيها العقوبات الأمريكية ضد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تزايد التحالفات لعدد من البلدان التي تتحرك للمواجهة، كما أن الهدف الرئيسي لهذا الانقلاب الذي تنظمه الولايات المتحدة هو رد نفوذ الصين وروسيا من أمريكا اللاتينية اللتين تقيمان علاقات اقتصادية سياسية وعسكرية وثيقة مع كاراكاس وعملية تغيير النظام في فنزويلا ستؤدي الى تغيير الاستراتيجية المعلنة من الولايات المتحدة لصالح صراع «القوى العظمى» كما ينطوي على مخاطر مواجهة على أراضي القارة الأمريكية بين أكبر قوى نووية في العالم.
عن موقع فالميه
ترجمة مها محفوض محمد
التاريخ: الثلاثاء 29-1-2019
الرقم: 16896