الأزمة في فنزويلا تعيد رياح الحرب الباردة

 

اتسمت توجهات مايك بومبيو التي أفصح عنها في جلسة مجلس الأمن المنعقدة يوم السبت الفائت بشأن الأزمة الراهنة في فنزويلا بالوضوح. ويبدو أيضا أنها كانت معبرة عن حقبة سابقة انقسمت دول العالم خلالها وفقا لخطوط إيديولوجية بما يحقق بها كل لمصالحه التنافسية إما بمكافحة النزاعات القائمة بالوكالة أو السعي من أجل السيطرة على أماكن بعيدة.
يبدو أن ثمة توقعاً لأحداث ستجري في هذا البلد وذلك منذ إعادة انتخاب مادورو في أيار الفائت كرئيس للبلاد في تصويت رفض أحزاب المعارضة البارزة المشاركة به.
على مدى الأشهر الأخيرة، تعرضت فنزويلا لأزمة اقتصادية -اجتماعية ازدادت سوءاً باطراد على مدى عدة سنوات نتيجة التضخم النقدي المريع الذي أفضى إلى تراجع مستوى المعيشة وأشعل موجات الاستياء والامتعاض السياسي.
ومؤخراً ظهر المعارض جوان غوايدو ليشجب ويندد ببقاء مادورو في السلطة وليعلن نفسه رئيساً لفنزويلا، الأمر الذي زج البلاد في ورطة خطيرة، حيث لم تتوان الولايات المتحدة عن الدلو بدلوها حيث دعا وزير الخارجية الأميركية المجتمع الدولي لتحمل المسؤولية والمراهنة على الحصان الفائز وهذا ما قام به معظم أعضائه.
وإزاء ذلك بدا على نحو لا لبس فيه أن الولايات المتحدة تدعم غوايدو رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، الذي كان يدير الدبلوماسية بهدوء على مدى الأسابيع الماضية ويؤيد الولايات المتحدة ويعلن دعمه للسوق الحرة في المنطقة. وقد انضم إلى الولايات المتحدة في المطالبة بإجراء انتخابات جديدة كل من بريطانيا، واستراليا، وإسرائيل، والحكومات اليمينية في جنوب أفريقيا ومنها البرازيل والارجنتين.
على المقلب الآخر، حظي مادورو بدعم من روسيا التي تربطها علاقات طويلة الأمد مع فنزويلا منذ عهد هوغو تشافيز بالإضافة إلى الصين وتركيا ودول أخرى في المنطقة تحكمها حكومات يسارية مثل بوليفيا وكوبا والمكسيك، حيث عمدت تلك الدول إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة فيما يتعلق بتدخلها بالقضايا الداخلية لفنزويلا وزعزعة استقرار حياة الكثير من الشعب الفنزويلي جراء العقوبات التي فرضت على البلاد للمرة الأولى عام 2015.
إن ما يجري في الوقت الراهن يعيد إلى أذهاننا الحرب الباردة، حيث نشاهد روسيا والصين تدعمان زعيماً اشتراكياً محاصراً يعمل على مناهضة المعارضة الداخلية التي تحظى بدعم الامبريالية الغربية، الأمر الذي يشعرنا وكأننا عدنا أكثر من ثلاثين عاما إلى الوراء. مع العلم بأن روسيا والصين لم تعودا متمسكتين بالمبادئ الاشتراكية ولم تعودا حليفتين كما كانا عليه في الماضي وذلك نتيجة لجملة من الأسباب.
على الرغم من ذلك، فإن النهضة القومية السياسية خلال العقد الماضي، قيدت على نحو واسع شهية العالم للعولمة وما ترافق معها.
ونتيجة وجود قادة أقوياء في المقدمة واعتزاز وطني في كل حالة، فإن إعادة ظهور تكتلات دولية مرة أخرى أمر ربما يكون حتميا. وقد شهدنا ذلك على نحو واضح في الحرب الشرسة على سورية، بيد أن الانقسام بين الشرق والغرب بدا بشكل لا لبس فيه عبر النزاع القائم في شرق أوكرانيا.
إن ما يجري في فنزويلا يمثل مثالاً آخر إذ يحدونا الأمل بأن الصراع من أجل الفوز بالسلطة بين غوايدو ومادورو (الذي ظهر في عطلة نهاية الاسبوع مشيرا بما لديه من معدات وأجهزة عسكرية روسية) لا ينحدر إلى مستوى المواجهة المسلحة بين الفصيلين المتنافسين، لكن، مع كل ذلك، نعتقد بأن وقوعها ليس بالأمر البعيد.
في الوقت الراهن نجد المصالح الاقتصادية الدولية تشهد تعقيداً كبيراً يتعذر بها تخيل العودة إلى وضع محدد إذ يلاحظ بأن ثمة مجموعتين تقف كل منهما ضد الآخرى، أي بمعنى أوضح عدنا بالعالم إلى الفترة الواقعة بين الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي. يضاف إلى ذلك ما نشهده من الانقسام بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بشأن الاتفاق النووي الإيراني الذي يعطي أكبر دليل على الاختلاف بينهما لجهة الشؤون الاستراتيجية. يؤكد الواقع بأن تقلب ترامب وغرابة تصرفاته قد جعل من الولايات المتحدة حليفاً أقل وضوحاً بالنسبة للدول الغربية الأخرى أكثر من أي وقت مضى.
وإن أردنا أن نأخذ درسا مما جرى في العقد الماضي فيتعين علينا ألا نأخذ أي شيء باعتباره أمراً واقعاً. منذ فترة ليست بالبعيدة، رأى العقلاء بأن عصر الانتعاش والكساد قد ولى، لكن الواقع أثبت عدم صواب ما ذهبوا إليه. واعتقد آخرون بأن العولمة ستلغي الغرائز القومية، ولكن الخلاف المتهور والمعيب الذي وصلنا إليه عند سقوط جدار برلين قد أرّخ لحقبة جديدة.
ربما توقف التاريخ قليلاً، لكن من دواعي القلق، أن يظهر في الوقت الراهن ليعوض ما فاته من وقت ضائع.

Independent
بقلم: ويل جور
ترجمة: ليندا سكوتي

التاريخ: الأربعاء 30-1-2019
رقم العدد : 16897

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم