الملحق الثقافي.. عقبة زيدان:
حسب المفكر الروسي آرثور سعدييف، فإن الخصال التي تمتع بها الشيخ الرئيس ابن سينا جعلت منه رجلاً كاملاً، فقد كان يجمع بين شخصية الفيلسوف وشخصية العالم التجريبي، إضافة إلى امتلاكه ثقافة موسوعية وباعاً طويلاً في صناعة الطب، كما كان شاعراً ورجل دولة. وكان فيلسوفاً هدف مذهبه الفلسفي إلى بلوغ وحدة الفكر والعمل، وحدة الحقيقة والخير، العقل النظري والعقل العملي.
لم يسبق ابن سينا أبناء عصره فقط، بل سبق أبناء العصور اللاحقة في العالم أجمع. ويحتل كتاب القانون مكاناً رفيعاً بين مؤلفاته، حيث ظل مرجعاً رئيساً للمشتغلين بالطب، وفيه سبق عدداً من الاكتشافات العلمية اللاحقة. فقبل قرون من ظهور علم التحليل النفسي، قام بدراسة مفصلة للعلاقة بين حالة الجسم المرضية وبين أحوال المريض النفسية. وسبق أيضاً علماء الميكروبولوجيا في القرن التاسع عشر، إذ افترض وجود كائنات دقيقة غير مرئية، تتسبب في الأمراض. وكان أول من أعطى أول وصف دقيق لبنية الجهاز البصري.
وتبرز أهمية كتابه «الشفاء» أنه جاء تعبيراً عن خصوصية الثقافة العلمية في المشرق العربي، بما تميزت به، سواء عن العلم اليوناني القديم أو الأوروبي القروسطي، من تطلع للربط بين المعرفة العقلية النظرية، وبين الممارسة التي لم تكن تشمل الحياة الأخلاقية والسياسية فحسب، بل والحياة الإنتاجية واليومية عامة.
وهناك إجماع كبير بين الباحثين على أن ابن سينا ساهم بقسط كبير في تطوير «أورغانون» أرسطو. لقد كانت الأفكار السينوية انعكاساً لما عرفه المشرق العربي من نظرة جديدة تماماً إلى المعرفة العلمية، لم يشهدها العالم اليوناني.
أثرت فلسفة ابن سينا في الغرب، وظهر تيار يدعى «الأوغسطينية السينوية»، وانتشر تأثيره في جامعتي باريس ولندن، وامتد تأثيره إلى فلسفة روجر بيكون وألبير الكبير وتوما الإكويني واسبينوزا.
التاريخ: الثلاثاء 5-2-2019
رقم العدد : 16902