هل سألنا أنفسنا، أو سألنا أطفالنا ماذا يريدون من معارض الكتب العربية التي تتكاثر يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام؟.. ومنذ أيام قليلة انتهى معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا العام وقد حظي بالعناية، والتنظيم، وازدحمت مساحاته الواسعة بأرفف الكتب، وأجنحة الناشرين العديدة.. والكتاب السوري لم يكن غائباً عن الحضور بل إنه شغل مساحة واسعة من أرض المعرض الى جانب دور النشر العربية الأخرى.
أما كتاب الطفل عموماً لدى أغلب الناشرين للمراحل العمرية الأولى، والثانية فقد كان حضوره لافتاً، إذ تعددت العناوين، وتنوعت أشكال الكتب، ورسومها بما كان كافياً لاستقطاب أكبر عدد من الأطفال وكأنهم رفوف العصافير إذ تحط على أغصان طرية.. إلا أن أغصان الكتب الممتدة بين هذا الناشر وذاك لم تكن قوية بما يكفي لتحمل كل ما يليق بأن يقدم لطفل اليوم.
وليس فضولاً بل هو الاهتمام ما دفعني لأن أتصفح عدداً من كتب الأطفال وأنا أتجول بين أقسام معرض الكتاب في القاهرة، وأجنحته.. ولعلي اعتدت أن أفعل ذلك في كل مرة أزور فيها معرضاً للكتاب، لكن أكثر ما أثار اهتمامي هذا العام ليس كم الكتب المطروحة بغزارة للطفولة بل هو المحتوى الذي انغلقت عليه دفتي الكتاب.. فما زال الخطاب على حاله لم يتطور في الألفية الثالثة عما كان عليه في الألفية الثانية.. ومن المستغرب أيضاً أن تجد كثيراً من القصص تبدأ بـ (كان يا ما كان) وقد تجاوزها الزمان لنصبح في زمن (صار يا ما صار).. أما الغابة، وقصة الذئب والحمل التي مازالت تدور فيها، وبما تحمله من رموز فهي مازالت حاضرة، بل وبقوة بعدما تغيرت المفاهيم، ولم يعد الذئب ذئباً كما تصوره الحكايات القديمة، ولا الحمل حملاً كما هو ماثل في الأذهان. فلو عدنا الى أصل الحكاية لوصلنا الى حقيقة تقول إن الذئب ليس مفترساً لغاية الافتراس بذاته، بل هي غريزة البقاء، وضرورة الغذاء لاستمرار الحياة.. وهذا هو حال جميع الحيوانات، ولم تعد فكرة الأقوى يأكل الأضعف بل إنه القوي الذي يأكل من هو أضعف منه.. فلو امتلك الضعيف سلاحاً ما لأصبح هو الأقوى في معادلة الصراع الحديث.
هكذا تتبدل المفاهيم، وتتغير الرموز.. لكن أدب الأطفال لدينا، وبالرغم من أنه بات يقع تحت ضوء ساطع يُلقى عليه.. أقول إنه ما زال يُكرّس لتلك المقولات التي تبدلت مع تبدل حال البشر في عصر جديد تفجر بالمنجزات الحضارية، والتقنية الذكية.
والسؤال الذي يلح عليّ، ويطرح نفسه أمامي باستمرار هل نحن مقصرون بحق الصغار، وبعضنا يستسهل مهمة الكتابة لهم إذ يظن أنه إذا ما انحنى فسوف يصل الى الطفل.. بينما الطفل يحتاج لمن يرتفع ليصل اليه لأن الإنسان عندما يتجاوز طفولته ينسى مفرداتها، ويتجاوز مشاعرها، والأحاسيس التي كانت تنتابه عندما كان صغيراً.. إذاً فالعودة الى الوراء لاستحضار ما كان هي ليست بتلك السهولة التي يتصورها بعض الكتّاب عندما يمسكون بأقلامهم ليكتبوا للصغار على أنه ما هو من ضمن اهتمامهم، ويثير فرحهم، ودهشتهم، ويطلق خيالهم.
والكتاب ليست غايته التسلية السريعة ليكون بعد ذلك مصيره الاهمال، وإنما ما يُرسِّخ القيم، ويغني التجربة الحياتية، ويزود بالمعرفة.. ومن الكتب ما يدوم تأثيرها كل العمر لأنها تكون قد شكلت الوجدان، وأثرت عالمنا الداخلي بما يكفي لأن تبقى معنا دهراً، وعمراً.
ولعلنا ككتّاب، والناشر ينضم إلينا، وكذلك الرسام قد قصّرنا في حق مَنْ تجاوزوا المرحلة الثانية في التقسيمات العمرية لمراحل الطفولة، وبلغوا مرحلة اليفاعة، أو المراهقة وهم أكثر من يفتقدون الكتب التي تتوجه اليهم بما تحمله هذه المرحلة العمرية من اهتمامات، ومشكلات، وتطلعات نحو عالم الكبار.
إنها همسة ود لكل ناشر، وكاتب، وأديب، وفنان ورسام أيضاً يحمل مسؤولية التوجه الى الطفل، ويشغله أدب الأطفال الذي لا يقف عند جنس أدبي واحد، ويضم اليه كل الأجناس الأدبية فهو حاضر في القصة، والرواية، والمسرح، والشعر، وصولاً الى الدراما، وسيناريو الأفلام السينمائية، والستربس، والألعاب الإلكترونية، وحتى مدن الترفيه، وكل ما يخص عالم الطفولة، وما يستجد على ساحته.
ولعلنا إذا ما وقفنا على سبر آراء الأطفال أنفسهم عرفنا ماذا يريد الأطفال من الكتاب، ومن معارض الكتاب.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 8-2-2019
الرقم: 16905