في إطار استكمال مسار آستنة للحل السياسي في سورية تتجه الأنظار يوم الخميس القادم إلى مدينة سوتشي الروسية، حيث تنعقد القمة الثلاثية لقادة الدول الضامنة لهذا المسار وهي روسيا وإيران وتركيا وهو اللقاء الثلاثي الرابع من نوعه الذي يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيريه الإيراني حسن روحاني والتركي رجب أردوغان، حيث من المتوقع أن يتم بحث وحسم ثلاثة ملفات شائكة تعترض طريق الحل في سورية وعلى رأسها مستقبل الوجود الإرهابي في محافظة إدلب الذي كان أساس اتفاق سوتشي، وما يسمى المنطقة الآمنة التي عرضها ترامب على أردوغان ثمناً لانسحابه من شرقي الفرات، وكذلك مستقبل المليشيات الكردية التي تتذرع أنقرة بها للتدخل الدائم في الشأن السوري.
تعقد هذه القمة في ظل ظروف معقدة تشهدها المنطقة، حيث يعتزم الأميركيون سحب قواتهم من منطقة شرقي الفرات دون أن يتخلوا بشكل نهائي عن نياتهم العدوانية تجاه سورية وطموحهم لعرقلة الحل السياسي فيها عبر ربطه بشروط تمس السيادة السورية، وفي ظل تحشيد أميركي إسرائيلي خليجي ضد إيران بذريعة ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي ونفوذها المزعوم في المنطقة، وعلى وقع عدة اعتداءات متكررة من قبل إسرائيل على الأراضي السورية، وفي ضوء سيطرة جبهة النصرة الارهابية على معظم محافظة إدلب نتيجة تلكؤ نظام أردوغان في تنفيذ التزاماته في اتفاق سوتشي وإخلاء المحافظة من الإرهابيين تمهيداً لتسليمها للدولة السورية كما تطالب كل من دمشق وموسكو وطهران.
من النظرة أو من القراءة الأولى لظروف القمة وتوقيتها يكتشف المراقب سريعاً أن معظم الملفات التي تحتاج إلى بحث وحسم تقع مسؤوليتها بشكل أكبر على الجانب التركي الذي مازال يراوغ ويحاول اقتناص الفرص السانحة لترسيخ تدخله في سورية وإطالة أمده مجرباً الرقص على مختلف الحبال السياسية لجني وتحقيق المكاسب التي ينشدها، أما موسكو وطهران فشبه متفاهمتين ومتفقتين على كل الأمور المتعلقة بمستقبل سورية والعملية السياسية فيها، وينتظر أن ينعكس هذا التفاهم والاتفاق بينهما ضغطاً على أنقرة لتنفذ ما التزمت به في القمم الثلاث السابقة، وأن تكف عن المراهنة على الوعود والحسابات الأميركية التي غالباً ما يكون أردوغان خارجها، بدليل القمة الحاشدة التي دعت إليها واشنطن في وارسو.
الرئيس التركي مطالب من قبل نظيريه الروسي والإيراني بحسم مصير مدينة إدلب والوجود الإرهابي فيها تنفيذا لما اتفق عليه في تشرين أول الماضي، وهو المساعدة في القضاء على جبهة النصرة وباقي الجماعات الارهابية والعودة إلى اتفاق أضنة كبديل عما يطرحه من مناطق آمنة، بعيداً عن التفسيرات التركية التي ليس لها أي مسوغ قانوني أو شرعي، لأن انتشار الجيش العربي السوري في هذه المناطق وعودة مؤسسات الدولة السورية كفيل بتبديد كل الهواجس التركية المزعومة التي تشكل ذريعة أردوغانية للتدخل المتكرر في سورية بحجة محاربة الارهاب، في الوقت الذي تتهم فيه تركيا بدعم الارهاب وثمة أدلة سورية وروسية لا حصر لها.
يجب أن يقتنع أردوغان في هذه القمة أن خيار الدولة السورية هو أفضل الخيارات المتاحة أمامه للتخلص من هواجسه الافتراضية تجاه المليشيات الكردية التي ساهم الأميركي في تكريسها بحجة محاربة داعش كأمر واقع لكنه مؤقت بحكم عزم الدولة السورية استعادة كل شبر من أراضيها إلى سيادتها الوطنية، وأن الأميركي مهما طال به المقام على الأرض السورية فسيرحل إما باختياره أو رغماً عنه لأنه مجرد احتلال فاتقد للشرعية، شأنه شأن باقي القوى الأجنبية التي دخلت سورية بصورة غير قانونية ومن دون إذن الحكومة السورية.
كما يجب أن يقتنع أردوغان بأنه لا يمكن السكوت طويلاً على الحالة المزرية التي تسبب بحدوثها في إدلب بحيث تحولت إلى أكبر معقل للجماعات الارهابية التكفيرية ومنطلقاً لشن الاعتداءات الجبانة على المدنيين في حلب ونقاط تمركز الجيش العربي السوري في ريفي حماة وحلب، وأن الاستعدادات مكتملة لتحريرها، ولا مجال لمحميات إرهابية على الأرض السورية مهما كلف الثمن.
لا يختلف اثنان بأن قمة سوتشي الحالية ستكون شديدة الأهمية والحساسية لجهة ما سيبنى على نتائجها، عبر معرفة أين سيصطف نظام اردوغان أخيراً بعد كل الفرص التي أعطيت له في ظل الاصطفافات الدولية الجارية، ولجهة معرفة مصير الشمال السوري ووجود ميليشيا قسد فيها بعد أن يستكمل الأميركيون انسحابهم، وكذلك معرفة مصير محافظة إدلب وفيما إذا كانت ستعود إلى السيادة السورية سلماً أو حرباً مع ترجيحات الحل الثاني، إذ إن لكل تطور حساباته الدقيقة ولا مجال لأي خطأ في الحسابات وهذا ما يجب أن يفهمه أردوغان قبل غيره.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الثلاثاء 12-2-2019
رقم العدد : 16907