يسجل مخيم الركبان واحداً من أكثر الشواهد دلالة على فجاجة السلوك الأميركي والابتزاز الرخيص، في محاولة للاستثمار السياسي والإعلامي في حياة الكثير من السوريين الذين يعانون أقسى ظروف الضغط السياسي الناتجة عن مطرقة الاحتلال الأميركي وسندان التنظيمات الإرهابية، وآخرها رفض خروجهم رغم تجهيز ممرين آمنين من قبل سورية وروسيا.
ورغم الحضور الإعلامي لقضية مخيم الركبان، فإن محاولات التغييب متواصلة بطريقة تثير الريبة إلى حدّ أن الحقائق المتصلة به تم تسويقها، لتبدو حمالة أوجه لجهة العدد الحقيقي وتباين المعطيات الرقمية وغياب الدور الأممي بشكل لافت، بينما الحقيقة الوحيدة المؤكدة من منظومة العدوان أنه موضع تجاذب واستثمار سياسي، يحاكي مشهداً من أخطر مشاهد الابتزاز السياسي الأميركي التي تواجه معضلة غياب الخيارات المتعلقة فيه.
فالأميركيون الذين راهنوا على تحويل المخيم ومن فيه إلى «مسمار جحا»، لا يزالون يعولون على المقاربات السياسية التي تتوافق مع الأجندات المرسومة لتحقيق ما عجزت عنه بالإرهاب والمرتزقة على حدٍّ سواء، وخصوصاً مع تنامي الجهود والدعوات لحل المشكلة من بابها الإنساني، حيث يراد لها أن تكون الغائب الأكبر عن بساط البحث، والذي يحضر منها يبقى في إطار التذرع بالمشكلات الناتجة عن سوء الاستخدام الأميركي.
الخطير في المسألة أن التباين في المقاربة لا يقوم على الفروق الناتجة عن تواضع الحصيلة السياسية فقط، بل في جزء منه على محاكاة تائهة للأهداف والبنك السياسي الذي تغرف منه الإدارة الأميركية أكثر مما تضيف، إلى درجة أنه بات من دون رصيد في الحسابات الأميركية، وتآكل مستوى التعاطي بشكله المباشر إلى حدود باتت تشكل عبئاً عليها.
وتتقاطع معها على المحور ذاته بعض الدول التي كانت ترى فيه منجماً سياسياً يتيح لها في الحد الأدنى الحضور على أي طاولة مستقبلية للنقاش فيه، وباتت تجد في مخرجاته قيداً يعوق حراكها في الملفات الأخرى، حيث يجد الأردن نفسه محكوماً بوجهة نظر أميركية متحركة يصعب التقاطها أو التعويل عليها، مع تغيير في التكتيك يفوق القدرة على مواكبتها.
الأهداف الأميركية في مخيم الركبان تتساقط تباعاً، والرهان على إعادة تشكيل إضافي تبدو صعبة المنال، في ظل تآكل واضح للإستراتيجية الأميركية التي ولدت ميتةً في الكثير من جوانبها، وتعاني استطالات مرضية في أجزائها الأخرى على قاعدة أن التوظيف في مخرجاتها بات أقل جدوى بكثير؛ بل في بعض المقاربات أكثر مدعاةً للتأزم.
مخيم الركبان الذي أرادته أميركا «مسمار جحا» على الطريقة البريطانية وإرثها الاستعماري البغيض، فهي كانت تترك أينما حلت بؤرة تصلح للاستثمار البشع في الأزمات لاحقاً، يواجه معضلة التقليد الاستعماري السمج، الذي تتقاطع حوله ومن أجله الكثير من المقاربات، ويصبح لزاماً على الجميع التعاطي مع مخرجاته، يتحول إلى مشكلة أميركية، ويصبح بضرورة التبعية معضلة لأدواتها وكارثة لمرتزقتها، وعبئاً على سائر حلفائها، بمن فيهم البريطانيون، ومعهم الفرنسيون، حيث لم يشفع لهما الإرث الاستعماري البغيض الذي يستيقظ بعد فوات الأوان!!.
بقلم رئيس التحرير عـلي قــاسـم
a.ka667@yahoo.com
التاريخ: الأحد 3-3-2019
رقم العدد : 16922
السابق
التالي