في كتابه (هل الرأسمالية أخلاقية) يؤكد الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل:»أنّ العودة إلى الأخلاق تتمُّ جوهرياً من خلال الأخلاق ليس لأنّ النّاس هم حقّاً أكثر صلاحاً، بل لأنّ الأخلاق غدتْ أكثر مادّة لحديثهم، حيث يسعنا في الأقلّ الافتراض أنّهم يتحدّثون عنها بمقدار ما هي غائبة عن سلوكهم»..
في كلامه نوعٌ من إدراج ملاحظة غاية في الدقة لسلوكيات البشر.. التي تظهر مفارقة التباين بين ما يقولون وبين ما يفعلون.. وبالتالي يتمّ التعويض عن الشيء الغائب سلوكياً، بمجرد النطق به كلامياً.
من خلال لحظات عيشنا اليومية، لنا أن نمايز بين حالين، الأول يبدو بكثرة الحديث عن أن أزمتنا الحالية هي أزمة أخلاقية بالدرجة الأولى.. ويتفاصح معظمنا بسوق أمثلة واقعية عن غياب النوازع الأخلاقية لدى كثيرين تظهر بأفعالهم التي تروي جشعهم وحدهم فقط.
والثاني عبر القدرة على لحظ تلك الفجوة الناجمة عن غياب إقران القول بالفعل.. فالغالبية تتشاطر بقذف موهبتها الكلامية «التنظيرية» في وجوهنا بينما لا نرى من أفعالهم الأخلاقية الحد الأدنى القادر على فرزهم في عِداد الأشخاص الأخلاقيين فعلياً.
هكذا تعوّدنا على حضور «القيمي الأخلاقي» في الواقع الكلامي، بينما يغيب في الواقع الفعلي.. لشريحة من الاستهلاكيين الغائصين في وحل الاجترار الترويجي لما يدّعون من أخلاقيات يمتلكونها.
بالنسبة لواقع عايشه كونت سبونفيل يلحظ أن الجيل الأخلاقي الذي جاء بعد الجيل السياسي، بدأ بالانزياح لصالح ظهور ما أشار إليه بنمط تفكير جديد هو «الجيل الروحي»..
وبين «السياسي» و»الأخلاقي» و»الروحي».. ما سمات الجيل الحالي لدينا..؟
هل يمكن لنا أن ننتزع له توصيفاً في خضم كل التقلّبات المتسارعة التي يحياها..؟
في بقعة جغرافية تشتد وتيرة الحضور/التقابل «السياسي» عليها، بينما يتراجع «الأخلاقي» منحسراً على هيئة تمظهرات كلامية، ربما تصاعد «الروحي».. وكل ذلك كفيلٌ بخلق خلطة هجينة..
كل ذلك.. يبرز موهبتنا بكوننا ظواهر صوتية-كلامية.. وهو ما يختصره قول الكاتب الفرنسي برنار نويل عن (الرأسمالية- السلطة الاقتصادية) حين «تغمرنا بالثقب الذي تحفره فينا وتقيم هناك فرجة، أنْ تدفعنا لأنْ نستهلك موتنا الشّخصي ونحن مغتبطون».
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الخميس 21-3-2019
رقم العدد : 16937