ثورة أون لاين- معد عيسى:
عَرَّف الفقهاء عقد «الإذعان» بأنه صيغة من صيغ إبرام العقود، تعتمد على استخدام نموذج نمطي للعقد، يعده أحد طرفي العلاقة العقدية بصورة منفردة، ويعرضه على الطرف الآخر، والذي ليس له إلا الموافقة عليه كما هو أو رفضه من دون أن يكون له أن يغير في العبارات الواردة فيه، أو الشروط والأحكام التي يتضمنها، وألا يدخل في نقاش أو تفاوض حقيقي على شروطه مع الطرف الآخر المُعد للعقد، ومن هنا وصفت هذه العقود «بالإذعان».
هذا النموذج من العقود تعتمده مؤسسات الدولة في عقود الخدمات الضرورية مثل الكهرباء، المياه، الهاتف، التأمين، النقل العام بوسائله المختلفة، السكن، وبالمحصلة يستخدم بشكل كبير في مجالات يتم من خلالها استغلال حاجات الناس لمقومات العيش الكريم، ولكن في الواقع هناك من يستغل الإمكانات الضعيفة للمواطنين تحت ذريعة دعمهم لتكون النتيجة حرمانهم من تحقيق أحلامهم البسيطة، ومن خلال مؤسسات حكومية ولاحقاًَ من تجار وحيتان يملكون الكثير، وليس لهم هدف سوى زيادة ملكياتهم.
كي لا نبقى في إطار طرح الأفكار النظرية نأخذ عقود المؤسسة العامة للإسكان نموذجاً، فمع الإعلان عن الاكتتاب على سكن عمالي أو شبابي أو ادخار، تبدأ أحلام المواطنين من ذوي الدخل المحدود بتملك سكن يريحهم من كابوس الإيجارات على شروط المؤسسة وفق مبدأ «اللي عجبو عجبو واللي ما عجبو…».
إذا تأخر المُكتتب على السكن تُتخذ بحقه جملة من العقوبات، بما فيها إلغاء التخصيص بمنزل، ولكن بالمقابل إذا تأخرت المؤسسة بالتنفيذ لا يترتب عليها أي تبعات، وعلى المُكتتب أن يتحمل رفع الأسعار والتأخير اللذين من بابهما يدخل سماسرة العقارات، فيشترون أحلام المتعثرين، ويتاجرون بها، ومن أفلت منهم يورث أحلامه لأبنائه.
فوضى السكن في سورية خلفه عقود إذعان حرمت الناس امتلاك منزل، وخلفه فوضى إدارات صاغت تشريعات حمت الفاسدين فيها، وفسحت المجال للتجار وأصحاب المال لمصادرة حقوق وأحلام الشباب.
اليوم نحن أمام مرحلة جديدة من الاكتتاب على عدد كبير من «الشقق» وجل ما يطلبه المواطن من الجهات المُعلنة الالتزام ببرامج الإذعان المُعلنة والمُصاغة من قبلهم والسماح لأحلامهم على صغرها بالتحقيق والالتزام بالاسعار والمدد المعلنة.