هل من الممكن استمرار عملية فهم المعارف واستيعابها في زمن الانفجار المعرفي والتخصص المبالغ فيه..؟
سؤال يسوقه عالم الفيزياء والمنظّر «بسراب نيكولسكو».. ويعود ليؤكّد حال التساؤل استنكاراً لما يحصل من تسارع معرفي غير مضبوط:
(مابالنا كلما ازددنا معرفة بما نحن مصنوعون منه نقصنا فهماً لـ (من نحن)..؟… ما بالنا كلما ازددنا معرفة بالكون الخارجي دفعنا بمعنى حياتنا وبمعنى موتنا إلى التفاهة، لا بل إلى العبثية؟)..
وحين يختم موجة تساؤلاته بقوله: «فمن أين هذا العمى؟».. يحيل الذاكرة إلى رواية جوزيه ساراماغو، التي تتحدث عن وباء يصيب إحدى المدن ويجعل كل من فيها فاقداً للبصر.. وفي ثيمة «العمى» التي طرحها الروائي البرتغالي إنما كان يعبّر عن العمى الفكري والمعرفي.. وهو عين مقصد «نيكولسكو».. فكل التدفق المعرفي الهائل الذي يطبع زمننا لا يدل على ما يجاريه من أصالة فكرية حقيقية تترافق وإياه.
فلِمَ كل هذا العمى..؟
ولِمَ كل هذا الضمور الداخلي، الذي يبدو ضريبة للتكاثر المعرفي الفائق..؟
وكيف يمكن ردم الهوة بين اتساع هائل للعلوم والمعارف وبين عقليات مَن يفترض بهم استهلاكها بعد تمام عملية استيعابها وهضمها..؟
غالباً ما تتأتى المشكلة من كون الاستهلاك يتمّ فعلياً دون فهم أو استيعاب.. وبالتالي تتشكّل أفواج من العاطلين عن الفهم..
هل يؤدّي ذلك بالضرورة إلى كون حتى عملية الاستهلاك تأتي معطوبة.. ناقصة..؟؟
فثمة حال يصبغ كل معارفنا وما نحصّله من معلومات، بشيء من هوس السرعة.. هكذا تنمسخ المعرفة إلى شبه.. مجرد شبه..
وشيئاً فشيئاً.. تصبح المعارف والثقافة والمعلومات التي نعتقد أننا نمتلكها أشبه بخردة في سوق «الانفجار المعرفي والتخصصاتي الهائل»..
إنهم يزرعون معرفة من قبيل «الوهم»..
حسب نيكولسكو يفترض بالعلوم والمعارف التي لا تتوقف حضارة ما عن مراكمتها أن تندمج مع الوجود الداخلي لإنسانها.. وإن لا لربما تحوّلنا حسب ما جاء في رواية «العمى» إلى «عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون».
رؤيـــــــة
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 28-3-2019
رقم العدد : 16942

التالي