مع انتهاء آخر فصل أميركي جديد من فصول مسرحية القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في بلدة باغوز بريف البوكمال، بدأت في الشمال السوري مرحلة جديدة من التعاطي مع التطورات المستجدة هناك سواء أكان ذلك على الصعيد العسكري أم على الصعيد السياسي، وهذا ما ظهرت مؤشراته سريعاً على الأرض، حيث تكفي العودة الأميركية والتركية إلى أحاديث التصعيد والتسخين وحسم الملفات العالقة بين داعمي الإرهاب الأساسيين، تلك الملفات قد تشكل شرارة لإشعال النيران بينهما بما قد يأتي على كل الطموحات والخيارات والأوهام التي لاتزال تعتاش عليها الكثير من أطراف الإرهاب في الشمال السوري.
المشهد يبدو معقداً جداً مع دوران عجلة الخلافات والصراعات بين إرهابيي الولايات المتحدة من جهة ومرتزقتها من جهة أخرى بعد أن دخلوا ـ بحسب المعلومات والمعطيات الإعلامية القادمة من هناك ـ في النفق المظلم للارتدادات الكارثية لعمليات تصفية الحسابات فيما بينهم، حيث لا تزال دفاترهم المفتوحة متخمة بالديون المتراكمة، وقد بات همهم الوحيد الحصول على بعض المكاسب على الأرض في ظل تبخر عواصف الوهم التي حولتهم إلى أدوات رخيصة في مشروع خارجي لا يملكون فيه أي رأي أو قرار ولا ينجم عنه إلا العواقب الوخيمة.
لغة التسخين الأميركية والتركية بدت واضحة خلال الساعات والأيام القادمة سواء عبر استحضار مزاعم استخدام السلاح الكيماوي الذي عاد مجدداً إلى حيز التداول الأميركي، أم على صعيد التصعيد التركي ضد الميليشيات الكردية المتواجدة على الحدود ضمن بازار انتخابي هدفه كسب الأصوات في الانتخابات البلدية، يأتي ذلك في ظل ورود معلومات حول نية الولايات المتحدة الأميركية خلال القادم من الأيام إلى تقسيم الجغرافيا الخاضعة لاحتلالها في الشمال السوري، بالتعاون وبمباركة عدد من القوى الاستعمارية التي يسيل لعابها للسيطرة على الثروات الموجودة في تلك المنطقة، وفي ظل سعي النظام التركي لإنشاء منطقة عازلة في شمال سورية، حيث دعا كل من وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس الأركان يشار غولر، إلى إقامتها صراحة، وقد أكد الأخير نية بلاده واستعداداتها لعملية محتملة ضد المليشيات الكردية التي تقول أنقرة أنها تشكل خطراً وتهديداً مباشراً عليها.
وترافق هذا المشهد مع تجديد رأس النظام التركي تهديداته بإعطاء الأولوية لملف الشمال السوري بعد انتهاء الانتخابات المحلية في بلاده، ومنع (إنشاء ممرات إرهابية) بحسب زعمه على حدود بلاده الجنوبية، وتضمّن كلام أردوغان، تلويحاً بنوايا (اتخاذ إجراء مباشر بدلاً من الجلوس على طاولة المحادثات).
وفي سياق احتدام الصراع بين مرتزقة واشنطن فقد وقعت خلال الأيام القليلة الماضية اشتباكات فيما بينها بمدينة منبج شمالي سورية، وأكدت مصادر أن قوات تابعة لـ(الأسايش) و(قوات مجلس منبج العسكري) داهموا منازل في مدينة منبج، وجرت اشتباكات بين المداهمين وبين عناصر تابعين لمرتزقة (قسد) بسبب إقدام الأخيرة على تهريب إرهابيين تابعين لـتنظيم داعش الإرهابي وعوائلهم من منطقة الباغوز وريف دير الزور الشرقي، وإيصالهم إلى مدينة منبج في الريف الشمالي الشرقي لحلب تمهيداً لنقلهم إلى الأراضي التركية، مقابل الحصول على مبالغ مالية من إرهابيي التنظيم، وفي ذات السياق زعمت القوات التركية أنها ردت على مصادر قذائف هاون استهدفت جنوداً أتراكاً متواجدين في مناطق شمال سورية تسيطر عليها فصائل إرهابية شاركت بعدوان (غصن الزيتون) العام الماضي، يأتي هذا في ظل مواصلة وحدات من الجيش العربي السوري عملياتها المكثفة على محاور تحرك الإرهابيين في الأطراف الشرقية لقرية اللطامنة، كما قامت وحدات الجيش العاملة في أطراف بلدة المصاصنة بتنفيذ عمليات على محاور تحرك إرهابيي (كتائب العزة) في الأطراف الشرقية لقرية اللطامنة وأوقعت بينهم قتلى ومصابين.
وفي سياق انكشاف الحقائق المتعلقة بأهداف وأدوار وجرائم التحالف الأميركي في سورية كشفت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية عن تفاصيل الحرب الإرهابية التي قادها تحالف واشنطن المزعوم والمكونات المتحالفة معها بزعم محاربة تنظيم (داعش) في سورية، لافتة إلى أن هناك مجموعة من الأساليب قامت باتباعها في هذه الحرب، ورغم التكتم على حقائق محددة، إلا أن الصحيفة أكدت أن الولايات المتحدة استخدمت المرتزقة لتنفيذ أوامرها وتحقيق أهدافها في هذه الحرب، كما أوضحت أن تحالف واشنطن الإرهابي نفذ ما يقارب 34 ألف غارة جوية بين آب 2014 ونهاية كانون شباط الفائت، ما تسببت بدمار كبير في البنى التحتية في ريف دير الزور الشرقي وقتلت أعداداً كبيرة من المدنيين الأبرياء حيث لم توفر الصحيفة أي إحصائية بخصوص أعداد الضحايا الذين سقطوا بالغارات الأميركية .
كما لفتت (واشنطن بوست) إلى أن إعلان القضاء على (داعش) رافقه حرص من قبل المسؤولين والدبلوماسيين الأميركيين على أن يبقى التنظيم الإرهابي محتفظاً بآلاف الإرهابيين على شكل خلايا نائمة ينتشرون في أنحاء سورية والعراق وأفغانستان ومصر والفلبين وليبيا وبوركينافاسو وأماكن أخرى.
هذه المعلومات الصحفية الجديدة تزامنت مع تأكيد روسيا بأن الإرهابيين الناشطين في منطقة الاتفاق في إدلب يعملون على التحضير لاستفزازات باستخدام مواد سامة ضد المدنيين، ومن ثم اتهام موسكو ودمشق باستخدامها لتبرير سيناريوهات عدوانية أو إجراءات معينة تزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية في سورية وتمنع الوصول إلى حل سياسي، وأكدت موسكو أنه تم نقل مواد سامة يرجح أنها مادة الكلور معبأة في أسطوانات أوكسجين وأسطوانات غاز من مدينة سراقب إلى بلدات خان شيخون، ومعرة حرمة، وكفر زيتا يوم 23 آذار الماضي تحت رقابة أفراد أجهزة مختصة فرنسية، مضيفة إن عناصر في الاستخبارات الفرنسية والبلجيكية وصلوا إلى مدينة إدلب لتنظيم الإشراف المباشر على هذه الاستفزازات، وقد تم تحت رعايتهم عقد لقاء مع إرهابيي (هيئة تحرير الشام) و(حراس الدين) ومنظمة (الخوذ البيضاء) الإرهابية من أجل التحضير لاستفزاز وشيك حيث ما يزال (الكيماوي) أشبه بحصان يستخدمه الغرب من أجل البقاء ضمن لعبة الحرب والفوضى في سورية.
فؤاد الوادي
التاريخ: الثلاثاء 2-4-2019
رقم العدد : 16946