في الشهر المنصرم، أصيب في غزة الطفل حسن الشلبي البالغ من العمر 14 عاما برصاصة في صدره جراء إطلاق قناص إسرائيلي النار عليه، ذلك الطفل الذي كان يبحث عن عمل يتيح له المساعدة في إعالة أسرته. وفي غضون لحظة واحدة انضم حسن إلى الأعداد الكثيرة من الفلسطينيين الذين لقوا حتفهم على يد الجيش الإسرائيلي خلال مسيرات العودة الكبرى.
خرج الفلسطينيون بتاريخ 30 آذار 2018 بمظاهرات ينددون فيها بجدار الفصل الإسرائيلي الذي طوقت به إسرائيل الأراضي الفلسطينية، وذلك استذكارا منهم لحادثة قيام الشرطة الإسرائيلية عام 1976بإطلاق النار على ستة فلسطينيين وأردتهم قتلى عندما خرجوا بمسيرات تستنكر وتدين قيام اسرائيل بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية.
وبات هذا التاريخ يمثل مناسبة سنوية للتعبير والتأكيد على الارتباط الوثيق بين المقاومة الفلسطينية وارض الفلسطينيين. وشهدت غزة في العام الماضي توظيفا لذلك التاريخ بغية تسليط الأضواء على حق عودة الفلسطينيين.
ينحدر ما يناهز المليوني مواطن في غزة من فلسطينيين هجروا من منازلهم عام 1948 ويعيش الكثير منهم على مسافة لا تتجاوز بضعة كيلومترات عن قراهم الأصلية.
بدأت مسيرات العودة بعد نداء وجهه المجتمع المدني للمشاركة في التظاهر بكثافة تنديدا بجدار غزة، وقد لقي هذا النداء استجابة من قبل آلاف الفلسطينيين الذي رفعوا راية حق العودة، ردا على عقود من الاحتلال والحصار المتواصل لغزة.
إن الصور ومقاطع الفيديو التي جرى بثها في اليوم الأول من المسيرة زرعت الأمل والطموح، وأعادت إلى الذاكرة مسيرات العودة الاخرى التي قام بها الفلسطينيون تحديا للسلطات الإسرائيلية. وكان أقوى تلك المسيرات مظاهرة أيار عام 2011، عندما تجمهر مئات اللاجئين الفلسطينيين القادمين من المخيمات السورية لعبور الخط الفاصل الذي يعزل قرية مجدل شمس المحتلة في الجولان السوري المحتل عن الأراضي السورية.
في خضم الاحتجاجات تسلق العديد من المتظاهرين جدار الفصل متجاهلين الانذارات التي تقول بوجود ألغام ارضية، وتمكنوا من كسر حاجز الفصل المفروض عليهم. وكان من بينهم حسن حجازي الذي تعود أصوله إلى يافا، وقد مشى مسافات طويلة متوجها إلى مدينته الساحلية قبل أن يسلم نفسه إلى السلطات الإسرائيلية، وعلق على ما جرى قائلا: «لقد كان حلم عمري زيارة يافا لأنها مدينتي، لكن طالما شعرت بأن ذلك لن يحدث إلا من خلال مسيرة المليون».
لقد راود حلم خرق الحدود الاستعمارية الإسرائيلية مخيلة الكثير من الفلسطينيين حتى بات حلما جماعيا للفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم. وفي هذا السياق، تساءل أحمد أبو رتيما، الذي نظم مسيرة العودة الكبرى عن العواقب المحتملة التي تنجم عن قيام حوالي 200000 متظاهر بمسيرة سلمية ثم اخترقوا الجدار الشرقي الذي يحيط بغزة ودخلوا بضعة كيلومترات في الأرض التي تعود ملكيتها لهم حاملين معهم الأعلام الفلسطينية ومفاتيح العودة بحيث ترافقهم وسائل الإعلام العالمية ومن ثم نصبوا الخيام وأنشؤوا مدنا في تلك المناطق.
لسوء الحظ قوبل هذا التساؤل برد وحشي على مدى العام الماضي، فعندما استمر المتظاهرون بالاحتجاج على جدار غزة قتل ما يزيد على 200 فلسطيني وأصيب آلاف آخرون على أيدي القوات الإسرائيلية.
أماط تقرير قدمته الأمم المتحدة في جنيف اللثام عن قيام الجنود الإسرائيليين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، وتشكل بعض تلك الانتهاكات جرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية. وأشار التقرير بالتفصيل إلى أعداد الوفيات، والإعاقات المستدامة بما في ذلك عمليات بتر الأعضاء.
في العام الماضي، كانت أعداد المصابين في غزة كبيرة جدا، ولاسيما في ظل الحصار الإسرائيلي الذي أدى إلى شلل في سبل الحياة. لكن تقرير الأمم المتحدة لم يحدث ضجة عالمية، وكأنه كتب على غزة أن يرتبط اسمها بالحرب والموت والمعاناة والدمار. وأصبح شظف العيش والمخاطر التي يعيشها الغزاويون من الأمور التي لم تعد تثير الاهتمام في شتى أنحاء العالم.
في كتاب «إطار الحرب» شرحت الكاتبة جوديت باتلر بأن المجتمع الدولي لا يولي اهتماما لحياة الكثير من البشر نتيجة عدم انتمائهم إلى مواطني الدرجة الأولى. ويظهر ذلك جليا فيما بدا من دمار وأعمال عنف متواصلة تمارسها السلطة الاسرائيلية على غزة، ذلك الأمر الذي لم يعد يحرك ضمير العالم بل أصبحت الخسائر في الأرواح من الأمور الطبيعية.
وبعد مرور عام على تظاهرات العودة بدأ اليأس يتطرق إلى النفوس ذلك لأن الحصار والاحتلال جعل أكثر من نصف الفلسطينيين في غزة يعيشون في فقر مدقع، ويعاني الكثير منهم ظروفا صحية ونفسية وجسدية خطيرة.
ذكر التقرير أيضا أن غزة ستصبح مدينة غير قابلة للحياة بحلول عام 2020، وذلك نتيجة لتدمير البنية التحتية والكوارث البيئية التي تتكشف يوما إثر يوم. ولا ريب بأن غزة بكافة المعايير قد أصبحت مدينة غير قابلة للحياة الأمر الذي دفع بالمتظاهرين إلى الاصرار بنهجهم على الرغم مما قد يتعرضون له من الموت والإصابة في تلك المسيرات. وبذلك فإن سوء الأوضاع والحياة التي يسودها الألم هي التي دفعت حسن شلبي وأمثاله للمشاركة بالمظاهرات في الشهر الماضي دون الاكتراث بما قد ينجم عنها من آثار مأساوية.
وعلى الرغم مما أظهره تقرير صدر العام الماضي بأن الخسائر في الأرواح ستكون باهظة إذا استمرت إسرائيل في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وعلى الرغم من أجواء اليأس المخيمة على غزة، فإن حلم العودة إلى الوطن لن يتوقف عن مراودة مخيلة الشعب الفلسطيني برمته.
Middle East Eye
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الثلاثاء 2-4-2019
رقم العدد : 16946