ثمة الكثير الكثير مما تختزنه ذاكرة المبدعين قد يروى بعضه بلحظة ما ويؤجل قسم آخر إلى حين من الزمن وما يروى يقدم خلاصة تجربة وعلاقات عمل وإبداع من الجميل أن تكون موجودة بيننا نعيش عبقها..نتابعها وكأنها للتو خارجة من نبض الشرايين ودفق الروح..
..فما بالك اذا كانت بين عالمين هما من الشهرة بمكان…؟
الشاعر الكبير الراحل سليمان العيسى والعالم الدكتور محمود السيد أستاذنا امد الله بعمره…
الدكتور محمود السيد يفرد في مجلة مجمع اللغة العربية العدد الاخير مساحة لهذه الذكريات التي تقدم لوحة نقية شفافة، وكأني بأستاذنا السيد يذكرنا بما كان يردده الراحل العيسى حول شعره الساخر وقد سمعته منه مباشرة, ومفاده أن الديوان الضاحك يمثله وهو تجربة ثرة غنية ونقية تضعنا بأجواء تحلق مع اللقطة المبدعة التي تواجه أعتى المواقف بمسؤولية عالية، لكنها تنساب كما قطرات الندى لتأتي بلسما من الشاعر وليرويها أستاذنا السيد بلغة تذوب عذوبة.
يقول الدكتور السيد: حمل سليمان العيسى في شخصه قلبا نقيا صافيا ووجدانا حيا ضافيا ومشاعر إنسانية سامية وسيرة عطرة متميزة ترفعا عن الصغائر ونأيا عن المظاهر وتمسكا بأنبل الضمائر ويضيف السيد:شاءت الأقدار بعد حصولي على الدكتوراه عام ١٩٧٢م أن التحق بوزارة التربية موجها اول للغة العربية وان يكون مكتبي إلى جانب مكتب شاعرنا الكبير ومكتب الصديق فالح فلوح إذ كنا نحن الثلاثة بغرفة واحدة وكانت قضايا اللغة هاجسنا والتمكين لها همنا.
وحين يشد السيد الرحال إلى الجزائر ينشد الشاعر المقطوعة التالية:
ودع دمشق إلى ذرة الاوراس
واقرأ السلام لسيد واتاسي
ركنان من دنيا المناهج نافسا
في الحلم احنف في ذكاء اياس
فكرت مرات بوضع بائس
ما في رحيلي عن هنا من باس
الجيب خاو والحياة مريرة
والعيش قاس أعلنوا افلاسي
وحين يستقل سيارة الدكتور السيد وهي قيد الصيانة والتنجيد ينشد:
سيارة الدكتور محمود
تمضي بها احلى المواعيد
نصف البراغي لم يزل سالما
والنصف فيها غير مشدود
ركبتها امس بلا مقعد
أعني بلا هم وتسهيد
وضعت تحتي كتبي مفرشا
فالفرش فيها رهن تنجيد
وغاص رأسي تحت شباكها
حتى كأني غير موجود
وفي الذكريات التي يقدمها الدكتور السيد الكثير من المواقف اللطيفة والجميلة والشفافية.. ليخلص مذكرا بما قاله الشاعر الراحل ذات يوم:
ما أزال اعيش نبضات القادمين
بجذور سنديانة عتيقة كالدهر
مختبئة في أعماق الارض
دائرة الثقافة
التاريخ: الأربعاء 8-5-2019
رقم العدد : 16972