رأي…القــارة الهلاميــة في التيــه الأزرق.. هشاشـة تكويـن وحداثـة مائعــة..

منذ أن ظهر هذا العالم الافتراضي إلى اليوم, ونحن مازلنا بعالم الدهشة التي اعترتنا أيضا يوم ظهر البث الفضائي وظل الأمر قائما إلى ان جاءنا هذا العالم الذي أخذ عنا أثقال التقنيات السابقة, فلم يعد السهر متسمرا أمام شاشة التلفاز والكل يرقبك, يرصدك متى تنام, وكيف تغير محرك اللاقط,,الى اين تتجه به, وما يصدره من أصوات منتصف الليل توحي للجميع بأنك كنت تبحث عن أمر ما, لا أحد يريد أن يقوله, لكنهم يعرفون ويظنون, المهم في الامر هذا ذهب بومضة عين بعد أن انسكب علينا الفضاء الأزرق بكل ما نعرفه ولا نعرفه, وخلصنا من التسمر بمكان واحد, جعلنا نطوف العالم كله – نظن ذلك – ونحن تحت اللحاف وفي السيارة, في المطعم, حررنا من قبضة الجغرافيا التي تجعلك أسيرها, قلت نظن أننا نطوف العالم, لكن الحقيقة أننا اسرى في مركبة البيانات التي نقدمها مجانا لمن عدها انها هي ثروة العالم التقني لا البترول.
فما يقدمه العالم الافتراضي مجانا كما نظن ليس ثمنه إلا نحن وماذا نفعل وكيف نتصرف وما هي طبائعنا, همومنا وتفكيرنا ويومنا وغدنا, كل شيء أمام الآخر, نعد أنفسنا أحرارا فيما نقوم به في القارة الزرقاء العائمة, لكننا حقيقة الآن مقيدون بالجغرافيا الافتراضية أكثر من المكانية, هناك كنت حبيس مقعد واحد, منفلتاً من كل رقابة, أما هنا فأنت مربوط بألف حبل وحبل, من الشركة التي اشتريت محمولها, إلى المخدم الذي تستعمله, إلى الشركة الأم الفيسبوك, مرصود مرصود, قد يقول أحدنا: وما قيمة هذا الرصد, وهذا سؤال مشروع وحق, والجواب قد لايكون كأفراد له قيمة ما, لكن مجموع البيانات التي تصنف وتحلل, وتدرس, وترتب وتخضع لألف اختبار وقراءة, تقدم رؤية للحراك الاجتماعي والثقافي, تدرس الميول والتوجهات, وترسم خرائط تتكون كظواهر اجتماعية لها مدلولاتها التي تعني الكثير.
في هذا التيه من البيانات (أقول تيه) كما نعتقد لكنه ليس كذلك, بل عالم منظم وحقيقي, قارة افتراضية ولكنها صاحبة جاذبية قوية جدا, لقد هندست العالم وأعادته كما يريد له من يحركه, كل شيء رقمي, انت مجرد رقم, ولكن ليس اي رقم, رقم يخترق ويوجه ويجرد من قيمته متى أراد محركو هذا الكون الازرق ذلك,عالم مبني على أساس هش بالنسبة لنا, وليس لهم, فكل ذواكرنا هي حبيسة ذواكرهم, رهن محركات بحثهم, بكبسة زر يطير كل شيء, نصبح عراة بلا ذاكرة, أو جسد بلا هيكل عظمي كائنات هلامية, ونعود الى الجسد البشري المائع, نظن أنفسنا أننا نعيش الحداثة, لكنها ليست إلا حداثة مائعة كما قال عنها عبد الوهاب المسيري,بينما من اسس لهذه القارة المتفجرة يحذر من زمن, ويدعو إلى التوثيق الورقي, لان محركات البحث التي تستخدم اليوم سوف تستبدل بعد عقد من الزمن, وعليك أن تدفع مبالغ طائلة لنقل ذاكرتك الغبارية إليها, استلاب فكري ومالي وتقني.
إنهم يهندسوننا كما يحلو لهم, ونحن طوع الفعل كتل جسدية تتشكل حسب إرادتهم, ولهذا كانت الحروب التي سميت بالذكية, ومن اللطيف أن نقدم ما ترجمته أخبار الأدب المصرية وجاء تحت عنوان الفيسبوك الكارثة, يقول الخبر:
ظهر فجأة ذلك الكون الافتراضي وجذب الملايين ثم المليارات إليه في خطوات متسارعة ومزعجة لعلماء النفس والاجتماع والمفكرين وخاصة من يرتابون في أمر التكنولوجيا بالأساس، وربما كانت مخاوفهم في محلها، فاتضح أن هذا الكون وخاصة ضلعه الأكبر والأساسي (الفيسبوك) هو وسيلة تستخدمها القوى الاستعمارية الكبرى للسيطرة على العالم الحقيقي حتي بدا للفيسبوك وجه آخر مضاد.
اتضح لهذه القوى الاستعمارية أن حلفاءها من الجماعات العسكرية التي انقلبت ضدها وكذلك الدول المستهدفة باتت تخترق الفيسبوك وتستخدمه بنجاح كبير في مواجهتها، لهذا أصبحت هذه المنصة ومخترعها (مارك زوكربيرج) هدفاً لها تبغي تدميره بحجج تبدو للكثيرين من اتباع الفيسبوك ومريديه واهية، ومنها أثره الخطير على اقتصاد العالم ثم على أمنه.
وأخيرا، ظهر كتاب (زوكيد) للرأسمالي المغامر والموسيقي المتجول (روجر ماكنامي) الذي اعتبر الفيسبوك كارثة حقيقية، وأنه يؤثر في ديمقراطية العالم، فهو من ناحية خارج السيطرة ويصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدثه، ومن ناحية أخرى يسيطر عليه شخص واحد وهو الصغير مارك!.
بكل الأحوال في الغرب الذي قدم هذه القارة مئات بل آلاف الدراسات عنها عن الأثر الذي يتركه, ونحن مازلنا نبحث كيف نعززه, كيف نغرق بالجميع بهذا التيه, طبعا لاندعو لمغادرته, فهذا أمر لايمكن تصوره, ولكن ماذا عن آثاره وآلامه, إلى اين يقودنا, ومن يقودنا, وقد اصبحنا فيه كلنا, فلاسفة, مفكرين, شعراء, وبعضنا لايفك الحرف.
ديب علي حسن
d.hasan09@gmail.com

 

التاريخ: الأربعاء 8-5-2019
رقم العدد : 16972

آخر الأخبار
قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان