واشــــــنطن والعبـــث السياســــــي في فنزويـــــلا..

 

يبدو أن المشهد الفنزويلي مرشح للتدحرج بسرعة نحو مرحلة جديدة من التصعيد في ضوء التصريحات والمواقف الأميركية العدائية المتتالية التي تصر وبشكل معلن على استمرار العبث باستقرار هذا البلد والتدخل في شؤونه الداخلية بهدف تحقيق أطماعها التوسعية فيه والهيمنة على قراره المستقل في منطقة لطالما قاومت، ولا تزال أشكالاً مختلفة من المحاولات الأميركية لفرض أجندات استعمارية وتدخلات خارجية.
هي محاولة أميركية جديدة للعبث بالمشهد الفنزويلي، فبعد فشلها في الإطاحة بالرئيس الشرعي نيكولاس مادورو بدعمها معارضة عميلة مرتبطة بواشنطن، ها هي تتجرع مرارة هزيمتها مجدداً بعد إخفاقها الواضح على الأرض، ولاسيما فشل الانقلاب العسكري الأخير الذي دعمته واشنطن ضد الرئيس مادورو الذي أعلنته الإدارة الأميركية على قائمة المستهدفين نتيجة مواقفه وخياراته الوطنية التي تقاوم المشاريع الإمبريالية وترفض الخنوع والخضوع للاستبداد الأميركي، ناهيك عن مواقف فنزويلا التاريخية المناصرة للحقوق والقضايا العربية.
الولايات المتحدة أعلنتها صراحة أنها ماضية في مشروعها التخريبي في فنزويلا، وأنها لن تتوانى عن التدخل عسكرياً عندما تجد ذلك ضرورياً، وهذا يدخل تحت عنوان الدعم النفسي والمعنوي لأدوات ومرتزقة الولايات المتحدة في فنزويلا، وهذا يشبه تماماً ما حصل في سورية خلال مراحل الحرب الأولى، ذلك أن واشنطن رغم قوتها العسكرية الهائلة باتت أعجز وأضعف من التدخل عسكرياً سواء في سورية أم في فنزويلا، وخاصة إذا كانت إرادة الحق والشرعية والدفاع عن الوطن والكرامة صلبة ومتجذرة في الوعي الجمعي للشعب الفنزويلي كما هي في الشعب السوري. غير أن السؤال الذي قد يدفع بنفسه إلى السطح في هذه المرحلة العصيبة والحاسمة التي يمر بها الشعب الفنزويلي، يتعلق بماهية الخيارات الأميركية المتاحة خلال هذه المرحلة والمرحلة القادمة؟.. الإجابة في هذا الشأن قد تكون واضحة جداً، خاصة إذا كانت مستخلصة من تجارب الحاضر القريب وكذلك تجارب الماضي البعيد الخاص بهذه المنطقة وغيرها من مناطق العالم، ولاسيما أن الولايات المتحدة اليوم قد دخلت عنق الزجاجة بعد هزائمها وإخفاقاتها المتكررة في سورية واليمن والعراق وإيران.
لقد أضحت الولايات المتحدة في موقع ضعيف جداً خاصة بعد تغير المعادلات والموازين وانقلاب القواعد الأساسية التي كانت تحكم بها الأخيرة العالم، بل تتحكم بكل صغيرة وكبيرة فيه، فالواقع الجديد الذي ارتسم على وجه المشهد الدولي بفضل صمود وقوة وبسالة وإرادة الدولة السورية بمنظومتها المتكاملة – الشعب والجيش والقائد – كان له الأثر الكبير في كبح الجموح الأميركي ليس في المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم أيضا، وخاصة أن الولايات المتحدة باتت تخوض حروبها بالوكالة أي بشكل غير مباشر بواسطة أدواتها ومرتزقتها وأذرعها، وهي بالتالي غير مستعدة للتدخل العسكري ولاسيما بعد عودة قوى دولية الى المسرح الدولي كروسيا والصين وظهور قوى إقليمية ودولية أخرى من شأنها أن تؤثر في صيرورة الأحداث وتلعب دوراً كبيراً في رسم عناوين المشهد برمته، ومن هنا فإن مهمة الولايات المتحدة في الحالة الفنزويلية سوف تقتصر على الدعم اللوجستي والمعنوي لأدواتها سواء في السياسة أم عبر مد تلك الأدوات بالأسلحة والذخيرة والمال، ما يعني أن رهان تلك الأدوات على الدعم والحضور الأميركي لإنقاذها هو في مهب الريح لأن هدف الإدارة الأميركية الرئيس في هذه المرحلة هو العبث بخريطة العالم بشكل عام وبخارطة الدول المناهضة للسياسات والمشاريع الأميركية بشكل خاص، وسوف تكتشف تلك الأدوات الأميركية في فنزويلا في القريب العاجل هذه الحقيقة التي تجسدت واقعاً في سورية عندما تخلت الولايات المتحدة عن أدواتها ومرتزقتها في سورية بعد هزيمتهم وانهيارهم أمام قوة وبسالة الجيش العربي السوري.
وللتذكير فقط فقد قامت الولايات المتحدة خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية بعدد من الأمور لتخريب المشهد الفنزويلي منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي، بدءاً من الاعتراف بسلطة الانقلابيين غير الشرعية، ومرورا بتكثيف ضغوطاتها وتهديداتها العسكرية والسياسية وعبر مجلس الأمن للحصول على اعتراف دولي بأدواتها، هذا بالإضافة الى سلوكها طريق العقوبات الاقتصادية وضرب مقومات الحياة المعيشية للشعب الفنزويلي عبر الحظر على النفط الفنزويلي حيث تُمنع بموجبه الشركات الأميركية من شراء النفط من شركة النفط الوطنية في فنزويلا، أو من إحدى الشركات التابعة لها، وهذا ما تسبب في انعدام أدنى مقومات الحياة للشعب الفنزويلي، وأيضاً السعي وراء شل الحركة في البلاد وتعطيل الكهرباء والاتصالات عامة، عبر قيامها بأعمال تخريبية أصابت الطاقة الكهربائية، حيث تعرضت محطة «غوري» الكهرومائية، الأكبر في البلاد والمسؤولة عن توليد الكهرباء، لهجوم تقف وراءه جهات أميركية، أدت لانقطاع التيار الكهربائي في 21 ولاية، بالإضافة إلى العاصمة كاراكاس.
من الناحية التاريخية فقد بدأ العديد من الدول والحركات في أميركا اللاتينية مع بداية العقد الأول من القرن الـ21 في التحرر من الاستعمار الأميركي وأدواته ومرتزقته، وهو ما دعا الولايات المتحدة الى استهداف «الحلقة الأضعف» فدعمت الانقلابات في هندوراس وباراغواي. ثم انتقلت إلى تحويل القضاء والكونغرس إلى منصة لإطلاق هجوم سياسي على الأنظمة الإستراتيجية في الأرجنتين والبرازيل، ودفع الأنظمة الثانوية في الإكوادور وتشيلي وبيرو والسلفادور للتحول إلى المدار الأميركي. لقد تم استهداف فنزويلا لعدة أسباب إستراتيجية منها معارضتها طموحات الولايات المتحدة الإقليمية والدولية، وتقديمها موارد مالية لدعم وتعزيز نظم مكافحة الاستعمار في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، وخاصة في منطقة البحر الكاريبي وأميركا الوسطى، وكذلك النهضة العلمية والاجتماعية التي شهدتها فنزويلا خلال السنوات الماضية حيث قامت ببناء المدارس والمستشفيات وتوفير التعليم وتقديم خدمات الرعاية الصحية مجاناً، ودعمت الغذاء والإسكان، والأهم من ذلك كله أن السيطرة الوطنية لفنزويلا على الموارد الطبيعية، وخاصة النفط، شكلت هدفاً إستراتيجياً في أجندة واشنطن.
فؤاد الوادي

التاريخ: الأربعاء 8-5-2019
رقم العدد : 16972

آخر الأخبار
الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان  نيوز ويك.. هل نقلت روسيا طائراتها النووية الاستراتيجية قرب ألاسكا؟       نهاية مأساة الركبان.. تفاعل واسع ورسائل  تعبّرعن بداية جديدة   تقدم دبلوماسي بملف الكيميائي.. ترحيب بريطاني ودعم دولي لتعاون دمشق لقاء "الشرع" مع عمة والده  بدرعا.. لحظة عفوية بلمسة إنسانية  باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان