«علَّمني كلامُ الماء»..«أنا سفرٌ وترحالٌ شراعي.. فمن شامٍ إلى شامٍ رحيلي»

كأنَّ دمشقَ كعبةُ كلّ عشقٍ/ شرارُ الناسِ أبرهةٌ بفيلِ/ تزيلُ الراءَ من حربٍ فتسمو/ على الغربانِ ورقاءُ الهديلِ/ أنا سفرٌ وترحالٌ شراعي/ فمن شامٍ إلى شامٍ رحيلي/ إذا الخيماتُ ضمَّتني تنادي/ أعيدوا عاشقي ردُّوا قتيلي/ سنرجعُ يا فلسطينَ انظرينا/ ونزرعُ ياسميناً في الخليلِ/..
نعم، هي «الشآم» أنثى القصيدة التي يأبى الشاعر الذي يعشقها، أن يُعرَّفَ إلا بها، أو أن يعطّر كلماتهُ إلا بعطرها.. يأبى ذلك، لأنها نبضُ الشِّعر وموسيقا حرفه، كما صوته الموجوع في وطنِ عشقه.
نبضُ كلّ شاعرٍ فلسطيني، عاشَ في دمشق «الياسمين»، فعشقها حدّ شعورهِ بأنه مسكونٌ بوطنين.. نبضُ «رضوان قاسم».. الشاعر المقاوم، الذي ومثلما أطلقها أنثى العشق في قصيدته، أطلقها صرخة الحياة المُقاومة لأعداءِ قلبها ونوره وأبجديته. أطلقها وقلبهُ يعانق أبوابها، وصوتهُ يجاهرُ بعشقها:
عانِقيني يا صبيَّة/ يا عروس الأبجدية/ سَبعة الأبواب قلبي/ كلُّ بابٍ لي هوية
كلَّما عانقتُ باباً/ طارَ قلبي من يديَّ/ ثم عادَ القلبُ نحوي/ وردة في بندقية/.
لاشكَّ أنه صوت الوجدان لدى شاعرٍ مسكونٍ بالهمِّ الوطني أولاً ومن ثمَّ، الإنساني والوجداني والعاطفي. لكن، إلى متى؟!.. إلى متى تبقى قصيدته مضرَّجة بدمعها وألمها؟!.. إلى متى، تبقى تُطلق نيرانَ غضبِ حرفها، وعلى عدوٍّ كلَّما ازدادَ موتُ الإحساسُ لديه، ازدادت اتِّقاداً بنبضِ الوطن الذي تحيا فيه..
هو أيضاً، صوتُ «قاسم».. الشاعر الذي دفعهُ تماهي قصيدته في وطنها، للتعريفِ بأنه وبأنها: «فاءٌ أنا».. فلسطين، التي ولأنه تعلَّم منها بأن لا شيء يعلو على صوتِ مقاومٍ يمَّمَ قلبه وشعره باتجاه أرضِه، تشبَّع بما فيها من هواء، فضجَّتْ حنجرتهُ ارتواءً فاضَ في قصائد ديوانهِ «علّمني كلامُ الماء»..
تعلو وتعلو بصوتِ وطنها، فيرتدُّ الصوت ويَسمعها.. يسمعُ نبضها والألم، يقاومُ ما حولهُ من فناءٍ وعدم.. يدعها تلوذُ فيه حباً، فيناجي ذاكرتها بأن «أشعلتُ عشراً»:
/بالشعرِ أصنعُ من حروفي وردةً / أو سهمَ ثأرٍ للأعادي سُدِّدا / أقصى الأماني أن أعودَ لموطني/ أحيا بهِ حرَّاً كريماً سيّدا / أحيا أضمُّ ترابَهُ بمدامعي/ أو أن أعودَ على الترابِ ممدَّدا/..
أبحرتُ في عينيكَ أختصرُ الهوى /أنا كلَّما أبحرتُ يتسعُ المدى/ إن شئتَ فاقبِلْ كالرياضِ تورُّدا / أو شئتَ فاقتلْ عامداً متعمِّدا/ في الحالتينِ أنا الصريعُ بلا دمٍ /أرأيتَ مقتولاً يطالبُ بالردى/؟.
كلُّ هذا والمزيدُ من الشعرِ وصداهُ، يسيلُ من أصابعهِ ويفيضُ، وليتهُ يعلِّمه كيفية الهروبِ من وجعهِ إلى هواه.. كلُّ هذا في ديوانٍ سعى ماأمكنهُ، لجعلِ عشقهِ يلوذ فيه. لكن، أنى لهائمٍ في قصيدته-فلسطينه، أن يجد سواها مكاناً يحتويه؟..
/تعوَّدَ قلبي عليكِ/ تعوَّدَ شعري عليكِ/ فمنذُ عشقتكِ لا أستريحُ/ ولا يستريحُ شراعُ الورقْ !!!/..
حتماً، لن يستريح أبدا.. يرنو إلى الغدِ، إلى موعده معهُ.. بعيداً عن الحرب والموت والدماء، وقريباً من الأمل والحياة والفرح.. قريباً، و»باتجاهٍ واحد».. كذاك النهرُ الهدَّار والمنسابةُ فيه الحياة عطاءً وحباً، سألَ النهرُ أن يعلمه كلامهما:
/يا نهرُ علِّمني كلامَ الماءِ/ كي ينمو على شفتيَّ عشبٌ للوطنْ/ أنت الذي تَهبُ الحياةَ وما سألتَ لمَنْ ومَنْ؟/.. وأنا الَّذي يسقي ويغترفُ البكاءْ/ فاكشفْ غطاءً عن سكوني/ علَّها لغتي تقطِّرُ غربتي/ أبني من الكلماتِ بيتاً أو سكنْ..
يا نهرُ علِّمني كلامِ الماءِ/ كي أحكي مع الصفصاف عن جذرٍ بقاعِ الماءِ يلتمسُ البقاءْ/ وأحدّثُ النَّعناعَ عن عطشي/ عن الحلمِ الَّذي يصفَرُّ/ يصغرُ كلَّما كبُرَ الزمنْ/ وأحدِّثُ الدُّفلى عن الطيرِ الَّذي ألفَ الشَّجنْ/
هذه نختم ديوان «علّمني كلام الماء» لـ»رضوان قاسم» الشاعر الفلسطيني المقيم في دمشق، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتّاب الفلسطينيين.. شاعر الإنسان والوطن والقضية.. شاعر القصيدة فلسطين، والقصيدة الدمشقية.

هفاف ميهوب
التاريخ: الخميس 30-5-2019
الرقم: 16990

 

 

آخر الأخبار
معرض دمشق الدولي.. الاقتصاد في خدمة السياسة قافلة مساعدات إغاثية جديدة تدخل إلى السويداء "دمشق الدولي".. منصة لتشبيك العلاقات الاقتصادية مع العالم رفع العقوبات وتفعيل "سويفت ".. بوابة لانتعاش الاقتصاد وجذب الثقة والاستثمارات سوريا تستعد لحدث غير مسبوق في تاريخها.. والأوساط الإعلامية والسياسية تتابعه باهتمام شديد سوريا تحتفي بمنتجاتها وتعيد بناء اقتصادها الوطني القطاع الخاص على مساحة واسعة في "دمشق الدولي" مزارعو الخضار الباكورية في جبلة يستغيثون مسح ميداني لتقييم الخدمات الصحية في القنيطرة معرض دمشق الدولي.. انطلاقة وطنية بعد التحرير وتنظيم رقمي للدخول برنامج الأغذية العالمي: المساعدات المقدمة لغزة لا تزال "قطرة في محيط" "المعارض".. أحد أهم ملامح الترويج والعرض وإظهار قدرات الدولة العقول الذهبية الخارقة.. رحلة تنمية الذكاء وتعزيز الثقة للأطفال وصول أول باخرة من أميركا الجنوبية وأوروبا إلى مرفأ طرطوس شهرة واسعة..الراحة الحورانية.. تراث شعبي ونكهات ومكونات جديدة محطات الوقود بحلب تحت عين الرقابة البنوك السورية جاهزة للربط بنظام "سويفت" ومصارف أجنبية بدأت بالتعامل وسط دعوات للعدالة وعدم النسيان.. إحياء الذكرى الثالثة عشرة لمجزرة داريا الكبرى  هيئة ضمان الودائع... خطوة لإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري مجدداً اليوم..معرض دمشق الدولي يفتح أبوابه ونوافذه إلى العالم