تبعات الخيبة التي يعيشها الإنسان أكثر بشاعة من الخيبة ذاتها، بل هي تودي به في أحيان كثيرة إلى محظور ما، مسببة له خللا إنسانيا، يصعب الخروج منه… فالخيبة لن تمر مرورا عاديا على الإنسان، بل توقعه في حالات نفسية مزرية، يشقى طويلا حتى يتجاوزها، ومهما حاول مرواغة النفس بتجاهلها..
هذا ما ركز عليه العرض المسرحي (خيبانه) على صالة مسرح القباني بدمشق.. العرض من تأليف وإخراج الفنان (محمد قارصلي), تمثيل الفنانة ميريانا حداد، التي تقوم بدور فتاة تعرضت لحالات إحباط كثيرة، جعلتها تعيش في دوامة حالات افتراضية، اقتلعتها من واقعها وأخذتها إلى مساحات من الخيال والأجواء الواهمة، فهاهي تنتقل من واقعها إلى عالم السحر والشعوذة على أساس أنها قادرة على صنع المعجزات، ومساعدة الناس لتجاوز إحباطهم وخيباتهم, كأنها تنتقم لذاتها من ذاك الانكسار، الذي عاشته وسط مجتمعها من جهة ومن جهة ثانية، عندما تخلى عنها الحبيب، وهي في قمة تعلقها به، ليتركها فريسة الألم، فتعيش في عالم من الأوهام الكثيرة والتخيلات بالقدرة والقوة، بينما هي أسيرة العجز، وقد لبست ثوبا وهميا، بل أكثر من ثوب يتبدل بين حين وآخر، وكل ثوب منهم كان بعيدا عن الواقع، ساعد بإيهامها أنها قادرة على فعل ما تريد، الى أن تصل في نهاية الأمر إلى الاعتراف بكل ذاك الكذب على النفس، والكذب على الاخريين، عائدة إلى حقيقتها التي قاومت الاعتراف بها لمدة طويلة، جنبا إلى جنب تعاميها عن الضغوط التي تعيشها، فالجميع يلجأ إليها لحل معضلاته وهي الأكثر من يحتاج إلى حل مشكلته.. بدء من المسؤول إلى الشاب المراهق وهكذا.. وهاهي تقاوم وتقاوم الى أن تعترف في النهاية بخيبتها الكبيرة وعجزها، كما محاولاتها الهروب دون جدوى.. إنها الأحوج إلى التئام جراحها ورأب الصدوع الكثيرة التي تخللت روحها.
ساعدت العناصر المسرحية الأخرى الفنانة ميريانا حداد في سيرورة عرضها المونودرامي، وتصاعد انفعالها وتحولات حالاتها، كما الإحساس بجراحها الكثيرة.. بدءاً من الإضاءة إلى الماكياج الذي تحول شئيا فشئيا، ليظهر مسيرتها للخلاص من جلدها، حيث ارتدت الكثير من الأقنعة هروبا، أيضا الديكور لعب دوره هنا عندما كان غريبا كتلك الحلول التي اختارتها الصبية، كل ذلك تلاقى في النهاية عند مكاشفة تريحها من كل تلك الأعباء، التي تراكمت داخلها دون المقدرة على التخلص منها بالرغم من كل المحاولات المتكررة، مكاشفة لخصت الكثير من الحقائق الانسانية، مكاشفة دائما يعمل عليها عالم المسرح.
آنا عزيز الخضر
التاريخ: الاثنين 3-6-2019
الرقم: 16992