نختبر الحرب أم تختبرنا؟ سؤال لا يحتاج إلى الكثير من الإجابات.. اختبرنا الحرب نعم.. فوجدناها أكثر قساوة مما تخيلنا.. وأشد ظلما مما حكي لنا أو قرأنا عنه في الكتب والروايات.. نعم اختبرنا الجوع والبرد والحزن والألم.. واختبرنا تكاتفهم مجتمعين لسلبنا كرامتنا وإنسانيتنا التي باتت على المحك.. لا يهم من يختبر الآخر المهم أننا وسط اختبار.. ولسنا في حلم طال أكثر من المعتاد.. كابوس نفيق منه فندرك جمال الكون من حولنا وأن في هذه الحياة ما يستحق أن يعاش.. أو نتمنى أننا في لعبة سرعان ما تنتهي فليس هناك أطول من هكذا لعبة.. ولكننا للأسف نحن في حرب طواحينها دائرة.. لا ندري إن كانت تتقصد اختبارنا أو تهتم أصلاً لأمرنا، ربما كانت تريد أن تستوقفنا لنعيد حساباتنا.. أو لنختبر محبتنا عندما تتهدم بيوتنا ويموت أحبتنا.. تختبر صمودنا عندما يتغلغل البرد في ضلوعنا ويأكل الجوع لحم أمواتنا.. وتكون أوراق الشجر جزءاً من وجباتنا.. أو ربما تختبر مدى قدرتنا على التحمل عندما نفارق الأول من أبنائنا ثم الثاني ثم الثالث فنعود وحيدين كما بدأنا.. أو تختبر خيباتنا وضياع آمالنا.. فلا جدل حول ماهية الحرب.. فالحرب لا تستوقفها المشاعر أو كثرة الضحايا أو حجم الدمار ومدة الحصار.. الحرب تفرق لتسد فتثير الفوضى والفساد.
فيكفينا تخبطاً ودوراناً حول أنفسنا ولنبتعد عن إشباع رغبات الحرب بالاستغلال والاحتكار.. فلسنا نعيش في بحر تقتات حيتانه على الأسماك.. ولا في غابة الأقوياء فيها يأكلون الضعفاء.. بل نعيش في بلد الحزن فيه واحد قد لامس قلوب الفقراء والأغنياء.. واليوم يمضي على الذي يملك بئر ماء كما يمضي على العطشان.. كما ينقضي يوم من يتدفأ على المازوت وعلى من يتلحف حراماً المهم عنده أنه في بيته لا يزال.. وعلى من يملك سبع جرار غاز وعلى من يتدبر أمره ببابور كاز.. و على الذي اعتاد أن يمضي نهاره بكسرة خبز وعلى الذي اعتاد الشواء.
فدعونا نلملم شملنا وننسى ما كان قد صار ونكون ضماداً للجرح النازف وعيون أبنائنا ريثما تبصر الأنوار.. ونكون أهلاً لمن فقد أهله والصدر الحنون لأطفال بلا أمهات.. دعونا نكفكف دموع بعضنا ونعتبر أن ما فات قد مات.. فالعمر ينقضي إن شئنا أم أبينا.. المهم أن لا نخسر إنسانيتنا في نهاية المطاف فنشمت فينا الأعداء.. فالإنسانية ليست محطاً للرهانات.
زهور نجيب المحمد
التاريخ: الاثنين 3-6-2019
الرقم: 16992