ثورة أون لاين- العميد الدكتور أمين محمد حطيط: في الوقت الذي اعلن فيه جون كيري وزير خارجية اميركا أنه بات " ضروريا ان تجلس المعارضة في سورية الى طاولة حوار مع الرئيس الاسد بحثا عن حل سلمي للازمة السورية "
خرجت فرنسا و بريطانيا بمواقف مناقضة في ظاهرها للموقف الاميركي داعية للسير قدما في تسليح المعارضة من " اجل تحقيق توازن في الميدان ، يكون من شأنه اجبار الرئيس الاسد على اعادة حساباته ". مواقف سبقتها قرارات عدوانية جنونية اتخذتها جامعة مشيخات الاعراب و دعت اعضاءها كل بمفرده للعمل من اجل تعزيز القدرات القتالية للمسلحين في سورية تدريبا و تسليحاً . مواقف رسمت مشهداً قد يدفع من يتسرع بحكمه للقول بان جبهة العدوان على سورية بدأت تتفكك و يركب كل منها مركباً يناسب اهدافه الذاتية .
لكن دراسة معمقة لواقع الحال تقودنا الى احتمال تصور من اثنين يكون في الاول استبعاد لفرضية النزاع او التباين بين مكونات جبهة العدون بدءا من قيادتها الاميركية مرورا ببنيتها الاوروبية وصولا الى ادواتها الاقليمية المتمثلة بمثلث العدوان الاقليمي ( تركيا و قطر و السعودية ). و هنا نرى بان اميركا التي ايقنت بان الهجوم الذي قادته ضد سورية وصل الى حد يجعل من الاستمرار فيه خطرا على مصالحها بعد ان اخفق في تحقيق الهدف الاستراتيجي الاساسي الذي انطلق لتحقيقه و المتمثل باسقاط سورية من محور المقاومة و تدميرها ثم صياغتها لتكون اداة تابعة للغرب تتنازل عن ارضها و حقوق العرب في فلسطين كما تنازل سواها ممن استسلم لاسرائيل وعقد اتفاقات الاذعان معها . لكن ثبات سورية و صمودها حمل اميركا على التحول ظاهراً نحو المسار السلمي للحل عبر التفاوض ، و بما ان هذا الامر يتطلب بيئة و اوراقاً تفاوضية ، لهذا تكون اميركا وزعت الادوار على مكونات الجبهة المعتدية ، حتى تخلق جوا ضاغطا و تشن حربا نفسيا تخدم المفاوض الاميركي في مسيرته. و لاجل ذلك كانت تلك القرارات و الاعلان عن مخيمات التدريب في الاردن و شحنات السلاح بمليارات الدولارات التي دفعتها قطر و السعودية لتزويد الارهابيين بها، و رغم ان بعض ما ذكر هو حقيقة واقعة الا ان الغاية الرئيسية منه تكون هنا خدمة للبيئة التفاوضية لصالح اميركا . و لكن لا يمكن ان نغفل الاساس الذي تقوم عليه السياسة الاميركية اصلا و هو الثنائية و الازدواجية في الخطوط التي تعمل عليها، و في هذه النقطة بالذات يمكن ان تكون اميركا قد دفعت الثنائي الاوروبي ليعمل مع المثلث الاقليمي عسكريا في فترة الاعداد للمفاوضات ، فاذا حقق خرقا و انجازا ميدانيا يعول عليه ، فقد تعيد النظر بفكرة الحل السلمي نفسها.
اما الفرضية الثانية فانها تقوم على القول بان اميركا التي خسرت حربها في سورية رغم انها احدثت من الدمار فوق ما يمكن تصوره ، قررت و من غير الوقوف على رأي الادوات السير في مسار يضمن لها مصالحها وحدها و انها تسعى للتنصل من الخسارة و غسل ايديها من دعم الارهاب و الاعمال الاجرامية التي ارتكبت في سورية و تحميل المسؤولية في الخسارة و العدوان و الجرائم المرتكبة خلاله للمثلث العدواني الاقليمي ( قطر تركيا السعودية )، و للثنائي الاوروبي ( فرنسا و بريطانيا). فلجأت الى تشجيع هؤلاء على ما اعلنوه من مواقف لتبدو هي متمايزة عنهم. و في المقابل يجد هؤلاء انفسهم و قد تم تجاوزهم فعليا في الحركة الدولية الساعية الى الحل فقرروا العمل لتعكير المسار و اثبات القدرة على التعطيل. و ان اميركا ستستفيد من سلوكهم في الوجهين.
و لاجل ذلك كانت الانتفاضة الفرنسية و البريطانية عبر الدعوة الى تسليح المعارضة اي السير ظاهراً بعكس الاتجاه الاميركي تماما بعد ان اعلنت اميركا العودة الى بيان جنيف لاحلال تسوية سلمية للنزاع كما (و بعد ان كانت صنفت جبهة النصرة تنظيما ارهابيا ) سربت الى الاعلام ما يفيد بانها تدرس امكانية المواجهة العسكرية على الارض السورية ضد "جبهة النصرة" بتنفيذ عمليات جوية من قبل طائرات من دون طيار ، تسريب يكاد من يسمعه يقول بان اميركا و سورية ستجتمعان في خندق واحد لمحاربة الارهاب على الارض السورية . في الوقت الذي تندفع فيه بريطانيا و فرنسا الى تسليح من ستطاردهم الطائرات الاميركية ، ما يظهرهما كداعمين للارهاب في حين تكون اميركا " وفية " لمواقفها في محاربته، و لاجل ذلك و لان معظم دول الاتحاد الاروبي تدور في الفلك الاميركي مباشرة او غير مباشرة جاء موقف هذا الاتحاد ليخذل فرنسا و بريطانيا في رفضه تسليح المعارضة .
في مواجهة هذه الوقائع و الاحتمالات نرى ان لا نستعجل الحكم خاصة و ان هناك حالة من التقلب و عدم و الاستقرار تسود جبهة العدوان على سورية هذه الجبهة التي تعيش حالة من الاحباط و الغيض بسبب الفشل الاستراتيجي و انهيار الاحلام الكبرى ، و لكن يمكن ان نلقي بعض الاضواء على المسرح الذي يتحرك عليه اعضاء جبهة العدوان حيث نرى تردداً و ارتباكاً هنا و صراخاً و ضجيجاً هناك يتبعه تهديد و توعد يأتي من هنالك . و قد يقول قائل بان الاتحاد الاوروبي الذي خذل فرنسا و بريطانيا، و ابدى وعيا و تبصرا و تقيدا " بالقواعد القانونية ما جعله يتمايز عن المواقف المعلنة لهاتين الدولتين " ، ان في فعله خدمة للتصور الثاني و لكن ينبغي ان نستعيد بالذاكرة ان فرنسا و المانيا هما نواة الاتحاد الاولى و هو يستمر بشكل او بآخر متأثراً بالموقف الفرنسي و بوجهة نظر المؤسسين الاوائل حيال القضايا الدولية ، ثم يكون مبررا السؤال هل ان فرنسا مضطرة للظهور كراعية للارهاب و منتهكة لسيادة دولة مستقلة و ان تعطي الاخرين في الاتحاد فرصة الظهور بمظهر الحريص على مصلحة الاتحاد و الواعي المتبصر بما يجري ؟
في العام 2003 و عندما قررت اميركا تجاوز مجلس الامن و تنفيذ اجتياح احتلالي للعراق حاولت ان تتكئ على الحلف الاطلسي لكنها اصطدمت بالعقبة الفرنسية، حيث رفضت فرنسا يومها المشاركة في هذه الحرب ما حمل اميركا على تجاوز الحلف و العمل مع مجموعة من الدول الخاضعة لهيمنتها و نفذت عدوانها التدميري على العراق غير عابئة بالدول الاروبية التي رفضت الحرب ، ثم كان تقريع اميركي لاوروبا بوصفها "القارة العجوز "، و "الفاقدة للوزن " . و بعد اشهر اضطرت فرنسا للاعتراف بالامر الواقع و صوتت في مجلس الامن لصالح الطلب الاميركي و راحت بعد ذلك تجهد لتسترضي اميركا الى ان اتفقت الدولتان على موقف حيال لبنان فكان القرار 1559 ترجمة لهذا التفاهم ، قرار عوض التخلف الفرنسي عن المشاركة في حرب العراق و اعطى فرنسا دورا في خدمة السياسة الاميركية الصهيونية العاملة لنزع سلاح المقاومة و محاصرة المحور الذي تنضوي فيه خاصة سورية ( حلقته الوسطى ) . و منذ ذلك الحين تعلمت فرنسا الدرس، و ارتمت في الحضن الاميركي و امتنعت عن القيام باي عمل في السياسة الخارجية يغضب اميركا ، لا بل انها كانت في احيان كثيرة خاصة في ظل حكم ساركوزي و الآن هولاند تبدو في خدمة المصالح الاميركية و الصهيونية ملكية اكثر من الملك.. اما بريطانيا فهي و بدون شك لن تخرج عن مسار السياسة الاميركية و في الذهن دائما ذاك الوصف لرئيس وزرائها بانه «الكلب الوفي للرئيس الاميركي ».
على ضوء ما تقدم فاننا نستبعد الى حدا ما فكرة الاختلاف بين مكونات جبهة العدوان على سورية و نتجه للقول بانه في الامر عملية توزيع ادوار في فترة ما قبل التفاوض، حيث يكون لاميركا فرص حشد القوة و الاستفادة من صراخ و تهديد الاخرين ثم تحميلهم اوساخ العدوان و اوزاره و هم يرتضون بذلك لانهم لا يملكون اصلا القدرة على الرفض او الاستقلال بالقرار، و لهذا دفع الاعراب في جامعتهم الدمية لاتخاذ ما اتخذوا من قرارات و كلف الثنائي الاوروبي بتنفيذ حرب نفسية مضمونها الاستعداد لتسليح المعارضة ، اوراق تحتاجها اميركا لتستعملها على طاولة التفاوض التي اجلت كما يبدو لاشهر ثلاثة اضافية لان اميركا وجدت ان الاوراق التي بيدها الان لا تكفي لبلوغ مستوى يحقق مصالحها.
و عليه فان ظننا يشتد قوة للقول بان اميركا تعمل في اتجاه الحل السلمي لكنها غير مستعجلة لتحقيقه خاصة مع وجود فرص كما تظن لارضاء اسرائيل و اراحتها في تدمير اضافي لمرافق سورية استراتيجية ترى انه يلزمها وقت لتنفيذه بيد من خانوا بلادهم و عروبتهم و دينهم الاسلامي .
و لهذا نتوقع ان تخوض اميركا في الاسابيع المقبلة الحرب باقصى ما يمكنها عبر ادواتها مع تلميع صورتها الذاتية من اجل الاعداد للتفاوض او الخرق الميداني المؤثر و تكون حربا على كل الصعد النارية والنفسية و الاعلامية و السياسية و الاقتصادية . حيث تستعمل اميركا ادواتها الاوروبية و الاقليمية من اجل للضغط على سورية قبل التفاوض و اثناءه لحملها على التراجع عن مواقفها التي صمدت عندها طيلة الحرب الكونية عليها، و لكن يبدو ان اميركا رغم كل ما حصل لم تفهم بعد طبيعة الشخصية السورية المتميزة بالعنفوان و الصلابة و التي لا تنحني ولا يرهبها خطر او سلاح، و قد قررت الدفاع و مارسته واثقة بالنصر الأكيد الآتي.
أستاذ جامعي وباحث استراتيجي