من تأكيد المؤكد أن صفقة القرن قد سقطت سقوطاً ذريعاً سواءً بتأجيل إعلانها أم من خلال مناورة التطبيع التي ستتم في ورشة البحرين الاقتصادية وربما الثقافية، وتحولت إلى صفعة على وجوه (السيبة) الثلاثية ترامب ونتنياهو وابن سلمان.
وهنا علينا أن ننوه إلى أن وعي الشعوب وموقف دول محور الممانعة في المنطقة ابتداءً من سورية وإيران والعراق واليمن وحتى لبنان (المقاومة) وكذلك مواقف الدول المساندة الندية روسيا والصين.
هذه المواقف هي السبب في عملية التأجيل وعلى الأرجح الإلغاء، وهذا يعني أن الانقسام العمودي الذي أحدثه الانتصار السوري في العالم بين مؤيد لإقامة الدولة اليهودية وتوطين الفلسطينيين في شتاتهم، ورافض لها قد فعل فعله، ما يعني أيضاً أنه ليس بالضرورة أن تنجح المخططات الصهيو-أميركية-العربانية لمجرد أن تحاك في الغرف السوداء أو أن يتم التمهيد لها لخلق بيئة ضعيفة هشة تستسلم للأمر الواقع كما كان حالها خلال العقود الماضية حيث كانت المنطقة عرضة للترسيم والتقسيم والشرذمة ونهب الثروات بمساعدة العملاء الذين لا تهمهم سوى عروشهم وكروشهم. ومنذ أن دخل أكبر مهرج أميركي إلى البيت الأبيض وهو يسعى إلى إعطاء فلسطين كلها لـ (إسرائيل) واعتبارها وطناً قومياً لليهود، وتوطين الفلسطينيين المهجّرين من أرضهم حيث هم خارجها وبخاصة في سيناء والأردن ولبنان وإقامة نظام إقليمي ذي طبيعة مركبة سياسية أمنية اقتصادية بإدارة (إسرائيلية) وقيادة ورعاية أميركية، عملية تتمّ بتمويل عربي مع بعض الدعم الطفيف من أميركا وأوروبا واليابان، متبعاً سياسة القضم قطعة قطعة فأهدافهم القدس ثم الجولان وأراض لبنانية متصلة به والتضييق على وكالة غوث اللاجئين لتصفيتها وإسقاط مصطلح لاجئ فلسطيني من التداول لإسقاط حق العودة، وبناء النظام الدولي لتمويل الصفقة. وكان المفترض أن تكون (ورشة البحرين) منطلقاً للمخطط.
لكن كانت هناك كتلة كبرى مقاومة لهذه الصفقة تملك من القدرات والمكانة وتتمتع بمزايا من شأنها أن تعرقل التنفيذ أولاً وأن تسقط الصفقة ثانياً، وقد بدأت هذه الكتلة الممانعة المقاومة باتخاذ المواقف التي تنبئ بأنّ تهيئة بيئة إسقاط صفقة القرن قائمة على قدم وساق، لإفشال أميركا وأتباعها.
وكان للإجماع الفلسطيني المحكم والشامل ومصالحات الفصائل على رفض التنازل عن الحقوق الوطنية في فلسطين بشتى وجوهها بما في ذلك حق العودة وحق تقرير المصير وحق إقامة الدولة الفلسطينية الكاملة السيادة والناجزة الاستقلال، كان له وربما للمرة الأولى الأثر الكبير في إسقاط الصفقة، إضافة إلى الرفض الدولي الذي يتمسك بحل الدولتين، فرغم كلّ ما يُقال عن سيطرة أميركية على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها فإنّ هناك المتغيّرات الدولية جعلت مجلس الأمن يتفلت من هذه السيطرة نوعاً ما مع وجود فيتو صيني روسي فاعل، إضافة إلى الوهن والضعف في بنية أطراف الصفقة ترامب ونتنياهو وابن سلمان، وهؤلاء الثلاثة يعانون اليوم من حالة تمنعهم من التحرك الآمن لتنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى بهذا الحجم، فترامب في وضع مهتزّ في أميركا وهو يستعدّ للدخول في السنة الأخيرة لولايته وهي سنة الانتخابات، ونتنياهو تعثر في تشكيل الحكومة ما اضطره للذهاب إلى انتخابات مبكرة غير مضمونة النتائج، والأخير ابن سلمان يغرق في وحول اليمن ويخسر المواقع العسكرية في جيزان وتتعرّض مرافقه النفطية لتهديدات جدية ووجودية.
لقد عجز معسكر العدوان على سورية من احتواء الخسارة فيها وإلهاء سورية عن الهمّ الإقليمي العربي الأساسي. حيث إنّ سورية استطاعت أن تُفشل حرب الاستنزاف الكونية على الأمة وعليها.
وإن غداً لناظره قريب…
عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 18-6-2019
الرقم: 17003