حين تمّ الرسم الإمبريالي الغربي المتصهين لمؤامرة الربيع والثورات المزعومة في المنطقة العربية سعت جهات التآمر أن يكون الرافد المهم للمؤامرة… وهي قد دخلت الواقع الوطني للدول العربية المعنية، هو اتساق الجهود المرصودة بين المعادلات الأساسية في تنفيذها، أي معادلة الداخل في كل دولة وطنية، ومعادلة الإقليم المحيط بها، والمعادلة الدولية كذلك. وفي سيرورة الأحداث انكشف أمام الشعب العربي أولاً أن هذا المخطط الدولي لنقل الحالة العربية عبر الربيع لم يكن في صالح المواطن العربي باعتبار أن تعويم الأخوان المسلمين وتمكينهم من السلطة في شمال أفريقيا ليس من أحلام المواطن المعني.
وأن انهيار الدولة العلمانية العربية بذريعة تحقيق سلطة الله على الأرض لم يقنع أحداً، وتأكد لاحقاً لكل متابع عربي أن برنارد ليفي لم يفكر للعرب وكل الذي رسمه ورسم عليه هو لمصلحة الكيان الصهيوني العنصري طالما أن هذا الكيان قد دخل عنق الزجاجة في ظل تنامي القوة العربية؛ إنْ كان في دول الطوق العربية، أو في باقي الدول العربية التي وإن كانت لا تتحمّس على الوجه المطلوب لقضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة في الجولان، وجنوب لبنان لكنها في الزمن الذي تتقرر فيه الحرب على الكيان الصهيوني لديها من القوة التي يمكن استخدامها. ومن هنا افتعل الغرب الصهيوني ما فعله لتفريغ القوة العربية من محيط الكيان، ومن الدول غير المحيطة من منظور قديم جديد، وهو أن الضمان الأكيد لاستمرار المشروع الصهيوني وامتداده، وإدامته هو ضعف المنظومة العربية من حوله. وهذا الهدف المخفي الواضح في الدجل لدى سياسيي الغرب يتعرف عليه المواطن العربي من طبيعة ما يجري حوله، والقوى الفاعلة فيه، فالديمقراطية اللازمة للدول العربية التي حدثت فيها الثورات ستأتيها من الممالك والمشيخات التي لا تملكها، والتحرير اللازم للإنسان العربي سيأتيه من الكيان الغاصب لأرضه، والمهدد لحاضره ومستقبله، والخلاص من الاستبداد سيأتيه من لدن قوى الاستبداد الإقليمي والدولي. وسلطة الله على الأرض سيحققها المرتبطون بالحلف الأمروصهيوني الذين يحرصون على انتشار الإسلام، وهم وراء ظاهرة الإسلام فوبيا ليتحول الدين والمؤمنون به إلى عدو دولي يؤمّن لحكام الإدارات الأميركية مشروعية حروب ما وراء البحار.
واختُتم المطاف بأن الكيان الصهيوني يفتح أشرطته الشائكة ويقدم الدعم الكامل لمسلحي الإرهاب الدولي الذين أدخلوهم إلى جنوب سورية من الحدود التي يسيطر عليها الكيان المذكور، أو من الحدود الأردنية، وعند هذا الحال لم تعد الحيلة على العرب واردة، فذاب الثلج وبانَ المرج ليظهر أن حلف العدوان الإرهابي على الدولة العربية الجمهورية أتى إلينا بالحرب الإرهابية علينا وليس بالربيع، فما معنى أن يدخل إلى سورية والعراق مئات آلاف المرتزقة الذين استُقدموا من سجون العالم، ومن العاطلين عن العمل في شوارع أوروبا، وأميركا، وأفريقيا، وشرق آسيا، وأن يشكّلوا لنا داعش والدولة الإسلامية؟
وفي الوقت الذي بدأت تنكشف فيه مخططات الربيع والثورات المزعومة بدأ الانتظام في عمل المعادلات المنوّه عنها يتراجع، ويتفكّك. فالمعادلات الداخلية صارت تنبذ الإقليمية منها، والإقليمية قد فشلت بتحقيق ما تم التخطيط له من حلف العدوان الدولي فسقط الوكلاء ولم تعد المخارج المنتظرة ممكنة منهم، فتدخل الأصلاء ليتحولوا إلى قوى غازية ومستعمرة على الأرض السورية باعتبار أن سورية هي الهدف الأساس في كل ما جرى، فالخطر المستدام على الكيان الصهيوني هو دوماً من سورية في الموقع، والموقف، والدور العربي والدولي المؤثرين ورغم تدخّل الأصلاء بجيوشهم لم تتراجع صلابة الصمود السوري، بل واصل الجيش وحلفاؤه معركتهم على كافة الجبهات ضد مسلحي الإرهاب ومجموعاتهم إلى أن أصبحت إدلب، وبعض أرياف حلب، ودير الزور، والرقة الملجأ الأخير لهم، وعلى هذا الحال أخذت الصور تتبدل وتنفضح أكثر فأكثر سياسة الأصلاء فالأميركان وأطلسيوهم على الأرض السورية لا يقاتلون الإرهاب بل يدعموه، ويستثمرون فيه. وأظهروا العامل الكردي المرتبط بهم حتى يوفّروا الواقع والوقائع التي تبقي مسألة تقسيم سورية منظورة، وعلى الخرائط الجديدة. وبهذا الشأن بدأت العلاقة مع أردوغان على شيء من التوتر، لكن هذا الأخير كاذب دوماً في السياسة، ومخاتل، إذ كيف يتصرف الأميركان والصهاينة ضد الأمن القومي لبلاده ويبقى أداة بأيديهما؟ وكيف لا يريد الاعتراف بعد هذا الحال بأن موقفه مع الإرهاب النصروي في إدلب خيانة لبلاده؟ وأخيراً كيف سيقنع المجتمع الدولي بأنه ضد الإرهاب وهو يقدم لهم السلاح، والدعم اللوجستي الكامل ويتهرب من اتفاقات أستانا وسوتشي حتى يعرقل تقدم الجيش السوري وحلفائه لإنهاء سيطرتهم على الجغرافيا في إدلب ومحيطها؟ وبناء عليه وصلت الحال بأميركا وأطلسييها إلى طرق مسدودة، ومخارج مفقودة.
إذ ليس بإمكانهم دخول الحرب على سورية مع جبهات الإرهاب، ولا يمكنهم التخلّي عن الإرهاب. وكذلك لا يملكون عوامل فرض الوقائع كما يرغبون حيث المعادلة الأهم اليوم هي المعادلة الداخلية للشعب في سورية، والشعب منذ أن كشف اللعبة الأمروصهيونية عليه شدّ من أزر دولته، وجيشه ودعم القرار الوطني السيادي بما لم تعد معه أضاليل الإرهاب وداعميه تجد لها سبيلاًً على الأرض السورية، وخاصة حين يراقب شعبنا الوفود الأميركية ومن معها من آل سعود تزور الرقة، أو وفود من كيان العدوان الصهيوني تزور قسد، ويتم الحديث عن ترتيبات خاصة لا تقبلها الدولة الشرعية السورية. وأيضاً حين يعمل حلف العدوان على تركيب اللجنة الدستورية المزمعة بتجاهل إرادة الدولة المنتصرة سورية، أو حين يقوم الإرهابيون، وعملاؤهم من الخلايا النائمة بحرق المحاصيل لفلاحي سورية، والاعتداء على المدنيين ولا تهتز لأميركا وأدواتها مشاعر. نعم كل المحاولات الأمروصهيوأطلسية بما فيها العدوان بالصواريخ الذي تواصله دولة العدوان على المراكز العسكرية السورية لم تعد قادرة على ثني إرادة السوريين في الانتصار على قطعان الإرهاب لتحرير أرضهم كاملة من رجسهم. كذلك لم يعد أمام أميركا فرص لكي تعيد اتساق عمل المعادلات الثلاث الذي استطاعته في الأزمنة الأولى لتنفيذ المؤامرة، فلا الداخل لهم فيه، ولا الإقليم يستعيد دوره الذي كان، ولا التدويل والمعادلة الدولية قادران على فرض الحل الذي لا يتوافق مع سيادة سورية ودولتها الشرعية. ومهما عملت أميركا على خطوط العرقلة لأي آلية من آليات تسهيل المخارج بإنهاء الحرب الإرهابية أولاً لن تفلح، فيوماً بعد يوم تشتدّ إرادة شعبنا، وترتفع وتائر تفاعلاته الداخلية ضمن آفاق الوطنية المخلصة التي بها، لن تمرّ أحابيل أي معادلة إقليمية متآمرة، أو دولية ولذا ما نراه رغم كونه يشير إلى تداخل معقد لمعادلات خارجية لكن المخارج لدى الأطراف المعنية بها مفقودةٌ؛ وعليه تكون معادلة الداخل وحسب.. سيدة كل مخرج وطني سليم إلى جانب الدولة الشرعية المنتصرة.
د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 24-6-2019
الرقم: 17007