الأعمــــاق المؤسســـــة والناظمـــــة للصــــراع في المنطقــــة

ليس من الطبيعي أن نجتزئ حادثاً أو موقفاً مفرداً ثم نحكمه بالواقع المتفجر من حيث القوى والقوة الموجودة فيه ، ومن حيث مسارات الأحداث سواء أكانت سياسية أم عسكرية ، ومن هنا فإن الموضوعية والمسؤولية معاً يدفعان باتجاه الأعماق في المواقف المتناقضة وهناك في الأعماق تسكن مصادر السلوك عند هذا الطرف أو ذاك، وندرك في هذه اللحظة أن الموقف القائم في منطقة الخليج العربي، في مياه الخليج وعلى بقع أرضه الضيقة بأن اعتبارات هذا المنهج لا بد فيها من التقاط عوامل التأسيس في العمق، لكي نتجه بعدها نحو تقويم السلوك السياسي والعسكري ولكي نقترب من تثبيت الاحتمالات الخطرة القادمة وهنا وعبر هذه النظرة لا بد أن نذكر العوامل المؤسسة في الموقف الأميركي، هذا الموقف الذي ينوس ما بين حافة الخطر العسكري والتراجع عن هذه الحافة بعد ذلك وفي أصول وعمق الموقف الأميركي نستطيع أن نثبت العوامل التالية وهي عوامل مؤسسة وناظمة وحاكمة وكل أنماط السلوك الأميركي تشتق منها، تبعاً لتطورات الموقف وحاجات النظام السياسي مع كل مرحلة، الأمر الذي يعطينا الفرصة لكي نستطلع ونستخرج الحقائق.
1- أما العامل الأول الدائم والمؤثر في السياسات الأميركية منذ نشأة الدولة في أواسط القرن الثامن عشر وحتى الآن وعلى امتداد أكثر من خمسة وأربعين رئيساً، فهو هذا الجذر المؤسس القائم على مشاعر المنهجية والعنصرية والتميز عن كل شعوب الأرض حيث تبنى السياسات الأميركية أيديولوجياً وتربوياً على هذا الأساس ومن هنا كانت هذه الاستطرادات الأميركية في البحث الدائم عن مصادر القوة المادية العسكرية وهي التي تقع في مصطلح (القوة الصماء) وهذا ما أخذ أميركا إلى الحالة الراهنة من امتلاك السلاح المفتوح على طاقة القتل والتدمير والمدعم بأنماط تربوية في مواقع القيادات والمسؤولية تماماً كما في الحياة الشعبية والاجتماعية للولايات المتحدة، ثم جاء دور العامل الداعم وهو القائم في القوة المالية والهيئات والتنظيمات التي لديها القدرة على إنجاز الشرط المالي ومن هنا كان هذا التحالف الأميركي الصهيوني إلى حدِّ الوحدة العضوية وبمنطق ذلك صار رأس المال المالي مندمجاً مع رأس المال الصناعي ومع رأس المال العسكري في كل شركاته ومؤسساته وبالمحصلة امتلكت الدولة الأميركية طابع الشعور بالقوة ونزعة الهيمنة على العالم ونهم النهب لكل ثروات الشعوب أينما كانت، ذلك كله قدم أميركا الآن على أنها عدوانية في طبعها وطبيعتها وهي لا تمتلك أن تغادر ذلك ولا نمتلك أن نتجاوز ذلك .
2- إن الولايات المتحدة الأميركية قوية بالتأكيد بالمعيار العسكري والاقتصادي تأتي من خلال ما يصب فيها ثروات الآخرين وما هو قائم من مؤشرات وعوامل الضعف ولا سيما في الوطن العربي وعلى وجه الخصوص في الخليج العربي والسعودية، ومن هنا انفجرت هذه النزعة عند مشيخات الخليج وظهرت حالة الارتماء في الحضن الأميركي الذي لا يجيد سوى الظلم والإهانة، إننا بمعنى أدق ندرك بأن المال العربي والموقع العربي على الأرض والدور العربي في السياسات العالمية، كل ذلك إنما يشكل مجموعة روافد غير ناضبة حتى الآن وكلها تعتبر واحداً من أهم مصادر القوة الأميركية المادية وفي أصول ذلك نكتشف بل نعيش هذه الحالة من العدوانات (العربية) على العرب ذاتهم، فقد تحول النظام السياسي العربي إلى مصدر قوة وأداة تآمر وحركة اشتراك أحمق في العدوان على العرب وقضايا العرب وفي العمق قضية فلسطين، وفي هذه المرحلة لا بد من احتساب الأداء الخليجي هو واحد من أهم عوامل وتطبيقات المشروع الأميركي ضد إيران وضد العرب جميعاً.
3- وفي هذا السياق كان لا بد من إجراء التبديل النوعي الذي يشمل المعتقد بما فيه الدين الإسلامي والروابط والتقاليد الاجتماعية والعشائرية حيث لم يعد هناك فاصل عند (الخلايجة) ما بين الحرام والحلال ولا ما بين السقوط والكرامة المدعاة واستمرأ الطرفان الأميركان والخليجي هذا التبديل حيث أميركا تأمر وتنهى، وحيث (الخلايجة) يطيعون ويدفعون الفواتير ويستمرون في تدبيج أعذار الاعتداءات على مناطق مثل سورية والعراق تحت ذريعة الجهاد ودعم تيار الإرهاب بكل مفاصله وتفاصيله، وكان في أصول التبديل القائم هذا المنهج في إعادة تشكيل ثقافة العدو والصديق وهنا نرى التحولات المرة التي ما زالت تنتعش حتى هذه اللحظة وتضرب على العصب والعقل عند الإنسان العربي العادي، وبموجب ذلك صار الكيان الصهيوني هو الصديق والحبيب وهو السلم والسلام وهو الأمن والأمان بالنسبة للنظام السياسي العربي، وفي أصول ذلك صارت إيران الدولة والشعب والمذهب هي الخطر الأكبر وهي العدد الأكبر وكان لا بد من تجذير قواعد الموقف على قاعدة الصراع العربي الفارسي أو الصراع العربي الإيراني أو الصراع السني الشيعي، واستبدت هذه النزعة في العقول الخاوية والقلوب المثخنة بالتخلف والهمجيات وهذا ما جعل السياسات الأميركية تبدو في أحسن أحوالها الآن، ولكن الأمر لا يقف عند حد السقوط العربي والعدوانية الأميركية، وهذا ما تؤكده إيران في انطلاقها من الأعماق وفي مقدرتها على العمل السياسي والاحتراز العسكري كما هو قائم.

د: أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 24-6-2019
الرقم: 17007

 

 

آخر الأخبار
10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات