الثورة – جاك وهبه:
في خضم الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي تعاني منها سوريا، يتصاعد البحث عن بدائل تمويلية تُمكّن الدولة من الاستمرار في تنفيذ مشاريعها الحيوية دون مراكمة أعباء إضافية على الدين العام، ومع تقلّص الخيارات التقليدية وارتفاع كلفة الاقتراض، بدأت ملامح توجه جديد تظهر في الأفق المالي السوري، يتمثل في اللجوء إلى الصكوك المالية كحل غير تقليدي لتمويل التنمية.
لكن هذا التوجه، وإن بدا واعداً، لا يخلو من التحديات التنظيمية والواقعية، وسط تساؤلات منطقية، فهل تملك سوريا البنية القانونية والمصرفية لإطلاق صكوك ناجحة؟ وهل يمكن لهذه الأداة أن تستقطب رؤوس أموال حقيقية في بيئة استثمارية ما زالت تعاني من عدم اليقين؟.
في هذا السياق، أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور يحيى السيد عمر أهمية الصكوك كأداة تمويلية متطورة قد تسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي وتحفيز الاستثمار، على الرغم من التحديات التي قد تواجهها.
حلول مالية مبتكرة
وبين السيد عمر، في حديث خاص لصحيفة الثورة أن وزارة المالية تتجه إلى دراسة إصدار صكوك مالية كأداة تمويلية جديدة، وقال: “هذه الخطوة تحمل أبعاداً إيجابية متعددة، سواء على صعيد تنويع أدوات التمويل أو استقطاب شرائح جديدة من المستثمرين، كما أن الإعلان عن هذا التوجه يعكس سعياً واضحاً لتبني حلول مالية مبتكرة، تراعي خصوصية المرحلة وتتماشى مع حاجات الدولة التمويلية بطريقة مرنة”.
وأضاف الدكتور عمر، موضحاً أن “الصكوك تختلف عن الأدوات التمويلية التقليدية من حيث الهيكلية والوظيفة، فهي تعتمد على مبدأ المشاركة في الملكية والعائد الاستثماري، ما يمنحها طابعاً إنتاجياً ويجعلها أكثر ملاءمة لمرحلة تتطلب تحفيز النشاط الاقتصادي وخلق مصادر تمويل مرتبطة بمشاريع إنتاجية، وبالتالي، يمكن للصكوك أن تشكّل رافعة مهمة لتمويل مشروعات البنية التحتية، دون أن تنعكس سلباً على هيكل الدين العام”.
وأكد أنه “من حيث الواقعية، لا نتوقع أن يكون حجم التمويل الذي يمكن جمعه عبر هذه الصكوك كبيراً في المرحلة الحالية، لذلك يتطلب الأمر إدارة مالية واقعية تتناسب مع واقع السوق والظروف الاقتصادية”.
وأضاف أن إعداد خطة تمويلية محكمة، مدعومة ببنية مؤسسية سليمة، سيكون أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق النجاح في هذا المشروع، وتابع الدكتور عمر قائلاً: “بالرغم من محدودية السيولة لدى شريحة من المستثمرين الأفراد، إلا أن هناك جهات استثمارية ومؤسسات مالية مهتمة بتنويع محافظها التمويلية، خاصةً إذا تم تقديم الصكوك ضمن صيغة واضحة ومضمونة بأصول حقيقية”.
شروط النجاح
وعلى الصعيد الإقليمي، أشار الدكتور عمر إلى أن هناك تجارب ناجحة لدول عربية في إصدار الصكوك المالية، وقد تكون هناك فرص للتعاون المشترك، خصوصاً إذا تم إصدار الصكوك بالعملة المحلية، فهذا التعاون يمكن أن يعزز التكامل المالي الإقليمي ويخلق بيئة استثمارية أكثر جذباً.
وأوضح الدكتور عمر أن اعتماد الصكوك كأداة تمويلية يعطِي الحكومة ميزة إضافية تتمثل في تمويل المشاريع عبر النشاط الإنتاجي والعوائد الاستثمارية، بدلاً من الاعتماد على السندات التي تترتب عليها فوائد وأعباء مستقبلية، فهذا النوع من التمويل يتيح للمستثمرين إشراكهم في ملكية أصول أو مشاريع معينة، بحيث تكون العوائد مرتبطة بالأداء الفعلي لتلك المشاريع، وهذا يتماشى مع التوجه نحو اقتصاد أكثر ديناميكية ويعزز كفاءة استخدام الموارد.
كما أضاف الخبير الاقتصادي أن “إصدار الصكوك يتطلب توفّر مجموعة من الشروط الفنية والتنظيمية، مثل وجود إطار قانوني ومصرفي داعم، مع وضوح في تحديد نوعية الأصول المرتبطة بالصكوك وآلية توزيع الأرباح وضمانات الحوكمة والشفافية في إدارة الأموال، وهذه ليست عوائق، بل هي متطلبات تنظيمية يجب العمل على توفيرها ضمن خطة شاملة”.
وأشار السيد عمر إلى أن البنية المالية في سوريا بدأت تشهد تحركات تهدف إلى التحديث، ويجب مواءمة الأدوات المتاحة مع الواقع الاقتصادي للسوق المحلي، كما يمكن للصكوك المالية أن تشكل خطوة هامة نحو تنويع مصادر التمويل وتعزيز قدرة الدولة على تلبية احتياجاتها المالية، لكن هذا يتطلب العمل الجاد والالتزام بخطط مدروسة لضمان نجاحها في تحقيق أهدافها الاقتصادية.