الثورة – رولا عيسى:
تستمر جهود الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لجهة تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، فقد كشفت مؤخراً عن مخالفات مالية وفنية خطيرة في عقود توريد النفط والغاز التي أُبرمت خلال فترة النظام المخلوع، حيث بلغ حجم المخالفات عشرات المليارات من الليرات السورية.
وفي التفاصيل.. أجرت إحدى بعثات الهيئة التفتيشية تدقيقًا شاملاً في العلاقة العقدية بين شركة عامة عاملة في قطاع النفط والغاز، ومؤسسة عامة لتجارة المعادن ومواد البناء، وشمل التدقيق عقود توريد تمت خلال سنوات ماضية وتضمنت أكثر من 2500 بند من المواد والتجهيزات ذات القيم المرتفعة. ومع بداية أعمال التدقيق، اكتشفت البعثة أن المواد المطلوبة لم تكن متوفرة في مستودعات المؤسسة التجارية، ما دفعها للتعاقد مع موردين ثانويين لتأمين احتياجات معامل الشركة النفطية في منطقة بادية حمص. لتدقيق هذه العملية، استعانت البعثة بعدّة لجان فنية مختصة، حيث تمّ فحص الأسعار والمواصفات وفقاً للأسعار السائدة في السوق المحلية خلال تلك الفترة.
المخالفات والتجاوزات
وأسفرت عملية التدقيق عن نتائج صادمة؛ حيث تمّ الكشف عن فروقات سعرية كبيرة تجاوزت 32 مليار ليرة سورية، أي ما يعادل 2,832,860 دولار أميركي. هذه الفروقات تعتبر مؤشراً قوياً على أن الأرقام التي تمّ التعامل بها لم تكن فقط مبالغًا فيها، بل كانت أرقاماً فاسدة تستدعي محاسبة حقيقية.
إضافة إلى هذه الفروقات المالية، تبيّن أيضًا أن العديد من المواد الموردة لم تكن مطابقة للمواصفات المطلوبة، مما يثير العديد من التساؤلات حول مدى تطابق هذه المواد مع المعايير الفنية التي يجب أن تلتزم بها مشاريع حيوية كمشاريع النفط والغاز.
فساد موصوف
تقول الخبيرة التنموية والاقتصادية الدكتورة زبيدة القبلان إنه لا يمكن النظر إلى هذه الاكتشافات على أنها مجرد أخطاء إدارية أو فنية عابرة، بل هي تجسيد لحالة فساد مؤسسي كانت مستشرية في صلب عقود الحكومة السورية في مرحلة النظام المخلوع. وتضيف: الفساد في قطاع النفط والغاز يعدّ من أخطر أنواع الفساد، فهو يرتبط بشكل مباشر مع الأمن الطاقي للدولة، وقدرة الشعب على الحصول على مصادر الطاقة الأساسية التي يعتمد عليها في حياته اليومية.
وبحسب الدكتورة القبلان، الفروق السعرية التي تجاوزت 32 مليار ليرة سورية تشير إلى إمكانية وجود عمليات “تحويل” لهذه الأموال إلى جيوب خاصة، تحت مسميات مختلفة مثل التلاعب بالأسعار أو تقديم مواد ذات جودة أقل مما هو مطلوب. مشيرة إلى أن هذا النوع من الفساد له تأثيرات اقتصادية سلبية على المدى الطويل، إذ يؤدي إلى إضعاف قدرة الدولة على استخدام مواردها بشكل فعال، ويزيد من تكاليف الإنتاج التي تنعكس في النهاية على المواطن.
أقلّ كفاءة
من ناحية فنية، والكلام للخبيرة التنموية، تبين أن المواد التي تمّ توريدها لم تكن دائماً وفقاً للمواصفات، ما يعني أن تلك المواد قد تكون أقل كفاءة من حيث الأداء، أو حتى ربما قد تعرض بعض المنشآت النفطية لأضرار، وهذا الأمر لا يؤثر فقط على سير العمل في المشاريع التي كانت تعتمد على هذه المواد، بل يمكن أن يزيد من خطر الحوادث الصناعية في هذه المواقع، مما يعرض أرواح العاملين في هذه المواقع للخطر.
وتبين الدكتورة القبلان، أن هذه القضية تفتح المجال لإعادة النظر في آليات التعاقدات الحكومية في المستقبل، خاصة في قطاع النفط والغاز، ويجب أن تكون هناك آليات أكثر شفافية وأقل عرضة للتلاعب، وأدوات رقابية أكثر قوة لضمان عدم تكرار مثل هذه التجاوزات.
في الختام، يمثل هذا الكشف خطوة هامة نحو استعادة الثقة في مؤسسات الدولة، ولكنه لا يجب أن يتوقف عند هذا الحدّ، بل يجب أن يكون دافعاً حقيقياً لتحسين ثقافة المساءلة والحدّ من الفساد بشكل جذري، فمكافحة الفساد تتطلب جهداً مستمراً ورقابة فعالة لضمان عدم عودة هذه الممارسات مرة أخرى.