على وقع التأزم الحالي في الخليج حيث نذر الحرب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية لا تلبث أن تهدأ قليلاً حتى تتصاعد، توجّه عربان التطبيع المخدّرون المنوّمون أميركياً بوعود اقتصادية رخيصة إلى العاصمة البحرينية المنامة ــ ولهذه العاصمة من اسمها نصيب ــ حيث يجتمعون اليوم فيها على نية استكمال الجزء الاقتصادي والتجاري ــ بما يعنيه ذلك من بيع للشرف والعرض والكرامة والحقوق المشروعة وشراء للذل والهوان والخضوع ــ من صفقة القرن، الصفقة التي أرادها الرئيس الأميركي المتغطرس دونالد ترامب وصهره المتصهين جاريد كوشنر تصفية كاملة ونهائية لقضية العرب الأولى بإمضاء حكامها الأذلاء الخانعين، ومن ثم الالتحاق بركب الصهيونية الساعية بكل خبثها وجشع حاخاماتها وجنرالات الحرب فيها للهيمنة على المنطقة بكل ما فيها من تاريخ وحضارة وثروات وشعوب مؤمنة بقضية فلسطين .
فعلى إيقاع حشد المهرولين تواطؤاً وخيانة وبيعاً لأبناء جلدتهم كشفت إدارة ترامب عن صفقتها المسمومة لتصفية القضية العربية الأغلى التي سيعرضها كوشنر على المجتمعين، حيث فتات بعضهم هو المعروض الأول لإغراء البعض الآخر، فالصفقة المرصودة لبيع فلسطين وشعبها رصد لها خمسون مليار دولار، سيدفعها عرب النفط في الخليج لبقية الأذلاء من أبناء جلدتهم لقاء تعاونهم في إرضاء سيد البيت الأبيض وصهره عرّاب الصفقة.
كوشنر الذي يتعاطى مع أقدس قضايا العرب كصفقة عقارية، وبعقلية التاجر اليهودي الذي يتقن السمسرة ودفع الرشاوى والعمولات، جاء إلى المنامة كي يوزع الرشاوى على كل من قبِلَ ببيع فلسطين وشعبها وتنازل عنها للمحتل الغاصب، واعداً بمشاريع استثمارية طويلة الأمد في الأردن ولبنان ومصر لإغراء حكوماتها المتسولة بقبول ما لا يقبله صاحب قضية أو تجري في عروقه دماء عربية، مستغلاً الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها هذه البلدان العربية بسبب التحاقها بالمشروع الأميركي وتنفيذها لأجندات ترامب ونواياه الخبيثة.
ما من شك هنا أن كل حكومة ستقبل رشوة كوشنر مطلوب منها أن تقوم بدور وظيفي ما، لخدمة هذه الصفقة التي عنوانها سرقة الأرض الفلسطينية المحتلة وإعطاؤها للمحتل والتنكر لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم، وهذا ما يجعل الأردن الحاضر بقوة في المنامة ولبنان الغائب عنها ـ بقرار شجاع ـ مدعوين للعب الدور الأكثر إساءة بحق اللاجئين عبر الموافقة على مسألة توطينهم في مخيمات اللجوء ومنحهم بعض التعويضات الهزيلة لقاء التخلي عن حلم عودتهم إلى أرضهم ووطنهم.
يحاول ما يسمى مؤتمر المنامة أن يحصر فعالياته في الجانب الاقتصادي من صفقة القرن، لكن الهدف الحقيقي له سياسي بامتياز، وهو يوفر منصة تطبيع مجانية ورسمية في الخليج، يقف خلفها النظامان السعودي والإماراتي اللذان يسعيان علناً للسير بقوة على طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد ترجم ذلك بزيارات مسؤولين خليجيين لتل أبيب والمشاركة بمؤتمرات صهيونية في مقابل مشاركة وفود صهيونية بفعاليات رياضية وثقافية أقيمت في الإمارات وغيرها من مشيخات خليجية.
لكن في النهاية تظل الكلمة العليا في رفض وإفشال هذه الصفقة للمتمسكين بقضية فلسطين وخاصة الشعب الفلسطيني الذي رفض كل أشكال التطبيع وظل متمسكا بحقوقه رافضا كل الإغراءات والمساومات التي تعرضها واشنطن وأدواتها في المنطقة، وفي هذا السياق نشرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية مقالا تحليليا يقول فيه أن خطة جاريد كوشنر، لما يسمى السلام في الشرق الأوسط انهارت قبل أن تبدأ.
يقول المقال إن مؤتمر البحرين سيفتتح بعرض شريط فيديو بعنوان «تخيل منطقة الشرق الأوسط مزدهرة»، بهدف إقناع الجمهور بخطة كوشنر التي طال انتظارها، ولكن المشكلة هي أن المؤتمر لن يحضره الفلسطينيون ولا الإسرائيليون وهما طرفا النزاع الذي صممت الخطة لحله.
ويضيف كاتب المقال أن ما يسمى جهود السلام الأمريكية بدأت تنهار قبل أن تبدأ، فلم يعد يثق في إمكانية نجاحها إلا قليل من الناس، فالسلطة الفلسطينية بادرت بانتقاد الخطة، التي يعتقد أن تجمع 50 مليار دولار لتوفير فرص الاستثمار في الأراضي الفلسطينية ودول الجوار بما فيها لبنان والأردن ومصر.
وقد رفض الفلسطينيون الذهاب إلى البحرين لحضور افتتاح المؤتمر الاقتصادي، ويبدو أن إسرائيل انتظرت توجيه الدعوة لها، ولكن ذلك لم يحدث، لكن إسرائيل موجودة في المنامة عبر جنرال إسرائيلي سابق وصحفيين إسرائيليين يغطون فعالياته وينقلون رسائلهم الإعلامية من داخل قاعات المؤتمر، وهذا يمثل بداية التطبيع بين الكيان الصهيوني والبحرين مستضيفة المؤتمر، على اعتبار أن البحرين لم تنشئ علاقات دبلوماسية مع إسرائيل على غرار مشيخات أخرى وإن كان بعض المسؤولين البحرينيين قد التقوا فعاليات يهودية مرتبطة بإسرائيل بشكل مباشر في مناسبات عديدة.
وفي العموم يتوقع أن يفشل مؤتمر البحرين لأن أصحاب القضية يرفضون كل ما يجري فيه فالرأي العام الفلسطيني يشكك في إدارة ترامب منذ البداية، وقد ازدادت مواقفه رفضاً لمخططات السلام الأميركية بمرور الوقت، وخاصة بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة للكيان ونقل سفارتها إلى القدس وجملة من الإجراءات الأخرى التي تضيق الخناق على الشعب الفلسطيني.
وتبيّن بعض استطلاعات الرأي أيضاً أن 80 في المئة من الفلسطينيين يؤيدون السلطة في رفض خطة «السلام الأميركية» دون أن يروها، فهم يعتقدون مسبقاً أنها في مصلحة إسرائيل مهما كانت تفاصيلها.
وحتى إن استجابت الخطة لمطالبهم فإن الأغلبية يرون أنه ينبغي رفضها لاعتقادهم أن شيئاً يُمنح للفلسطينيين من قبل إدارة ترامب لا بدّ أن فيه خدعة.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأربعاء 26-6-2019
رقم العدد : 17009