منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اتفاقية فيينا التي وقّعها مع إيران عام ٢٠١٥ حول البرنامج النووي بدأت مواجهة غير مسبوقة بين البلدين.
كان هدف ترامب من انسحابه من هذه الاتفاقية إضعاف إيران من جهة وأوروبا من الجهة الأخرى، الهدف من عرقلة حركة إيران هو تقليص هامش عمل محور المقاومة الذي يعوق بدوره إنشاء «صفقة القرن» في إطار الدعم المقدم للقضية الفلسطينية ومقاومة «إسرائيل»، حيث فرض ترامب عقوبات قاسية على إيران لتجويع الشعب أملاً منه أن يثور هذا الشعب ضد حكومته..
أما الغاية من زعزعة أوروبا فهو الحصول على المزيد من الهيمنة، حيث أن هناك دولا أوروبية تعمل كحليفة لأميركا لخدمة مصالحها، من هذا المنطلق، لن يفي الأوروبيون بوعودهم لإيران كما في حالة نظام انستيكس(وهو أداة دعم التبادلات التجارية الأوروبية (فرنسا، بريطانيا وألمانيا) مع إيران لتسهيل المعاملات المشروعة الاقتصادية بينهما).
أمام الغطرسة الأميركية والفشل الأوروبي، تسلّحت إيران بالصبر الاستراتيجي النادر في مجال العلاقات الدولية، ومع ذلك، من حقها وواجبها الدفاع عن النفس ضد أي عدوان خارجي، دون انتهاك اتفاقية فيينا ومع احترامها لالتزاماتها كما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIEA) استخدمت إيران المادتين ٢٦ و ٣٦ من الاتفاقية لتعليق بعض البنود المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وحيازة الماء الثقيل، ومنحت الأوروبيين ستين يوماً للإيفاء بوعودهم تجاهها، مع خطر اتخاذ إجراءات أخرى، لكن النتيجة أنه لم تصدر أي ردة فعل إيجابية من ناحية الأوروبيين.
وعلى إثر ذلك، جرى حدثان على التوالي، الأول تم إسقاط طائرة غلوبال هوك بدون طيار الأميركية حين انتهكت الأجواء الإيرانية في نهاية مهلة الستين يوما، عند انتهاء المهلة لم تلحظ إيران أي مؤشر إيجابي أو ملموس من الجانب الأوروبي فأعلنت عودتها لتخصيب اليورانيوم بنسبة من ٣.٦٧% إلى ٥% وفق اتفاقية فيينا، وتجدر الإشارة إلى أن عتبة تخصيب اليورانيوم البالغة ٥% لا تكفي لصناعة قنبلة ذرية، أضف إلى ذلك أن إيران لا ترغب بصناعتها لأسباب أخلاقية ودينية، فهي تريد فقط طاقة نووية مدنية لأغراض سلمية.
تخصيب اليورانيوم ورقة ضغط جديدة تستخدمها إيران في مواجهة الغرب، مع ذلك ترافق إعلانها مع مهل جديدة لمدة ستين يوما، وفي هذا تقدم السلطات الإيرانية برهاناً آخر على حسن نواياها وأنها بهذا لم تغلق باب الديبلوماسية، وما إن أعلنت إيران عن عودتها لتخصيب اليورانيوم حتى سارعت وسائل الإعلام الغربية لإشاعة أخبار ملفقة مثل أن إيران انسحبت من اتفاقية فيينا، وغطّت عمداً حقيقة أن الغرب لم يترك أي خيار آخر أمام إيران، فدونالد ترامب انسحب بغير عدل من الاتفاقية وفرض على إيران عقوبات صارمة، بينما أوروبا لم تقم بتنشيط نظام انستيكس، الذي أصبح بالنتيجة طريقة للابتزاز من جانب أوروبا.
بعد إعلان إيران نشهد اليوم تحركاً دبلوماسياً فرنسياً غير مسبوق ما هو؟ وماذا يمكن أن تقدّم فرنسا لإيران على خلفية الأزمة الإيرانية – الأميركية من جهة والأوروبية من جهة أخرى؟ تجدر الإشارة إلى أن فرنسا تشارك في العقوبات ضد إيران وشركاتها انسحبت من السوق الإيرانية بعد قرار ترامب أما ماكرون فهو من أكثر الرؤساء الأوروبيين تقرّباً من ترامب، لهذا من الصعب على فرنسا أن تنحاز إلى جانب وبنفس الوقت تلعب دور الوسيط، أما بالنسبة للأزمة الأوروبية فقد اتضحت من خلال الصراع بين فرنسا وألمانيا لقيادة الاتحاد الأوروبي من جهة وبين البلدين وبريطانيا اليد اليمنى لأميركا من جهة أخرى، هذا الأمر يكشف أحد أسباب احتجاز الناقلة الإيرانية من قبل البحرية البريطانية لتخريب المحادثات بين الفرنسيين والألمان والإيرانيين.
يبدو أن الرئيس الفرنسي ماكرون يريد أن يمنح نفسه وزناً على الساحة الدولية من خلال مبادراته مع إيران.
من المؤكد أن المبادرة الفرنسية إزاء إيران تكشف عن تخوف من التصعيد ما لم نقل التوجّه إلى حرب بين أميركا وإيران، نتيجة لذلك، تدرك فرنسا ومن خلفها أوروبا أنه بحال حدوث حرب سيستخدمها ترامب في إطار حلف الناتو، ولهذا بدأت تعمل على المقاربة بين وجهات النظر الأميركية – الإيرانية.
إذا كانت أوروبا وفرنسا جادتين في تلطيف الأجواء، يتوجّب عليهما إذاً تفعيل نظام انستيكس، والتوقف عن المشاركة في فرض العقوبات على إيران، وانتهاز الفرصة التاريخية من العرض الذي قدمته إيران وهو الوقوف مع روسيا والصين والهند وغيرها من الدول للضغط على الولايات المتحدة لتعود إلى طاولة المفاوضات، وللتملص أيضاً من الهيمنة الأميركية، ونتساءل هنا هل تتبنّى فرنسا وأوروبا هذا الموقف التاريخي في المقاربة بين أميركا وإيران؟؟
بقلم: أنطوان شاربونتييه
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الجمعة 19-7-2019
الرقم: 17028