الثورة – أ ع:
شكّلت ثلاثية الفقر والجوع والتسوّل واقعاً مأساوياً يعيشه سكان الرقة، إبان سيطرة «قسد» على المحافظة منذ تشرين الأول 2017، بعد الخروج من أعوام من القصف والدمار والنزوح، أنهكتهم اقتصادياً وبنيوياً واجتماعياً.
هذه الثلاثية لم تكن مجرد ظواهر اجتماعية متفرقة، بل هي مترابطة بشكل عضوي تغذي بعضها بعضاً في دورة مستمرة منذ ثمانية أعوام من المعاناة.
بدأت بالفقر، الذي جرّد العوائل من مقومات الحياة الأساسية: دخل ثابت، سكن لائق، تعليم، ورعاية صحية.
ومع استمرار الفقر، أصبحت حياتهم اليومية معركة من أجل البقاء، فيما تضيق الخيارات أمام الأسر، ولاسيما في ظل انعدام فرص العمل أو انهيار الخدمات الحكومية وأي سبيل للإغاثة، في ظل غياب الدعم المتوفر من قبل السلطة الحالية«الإدارة الذاتية».
وتُظهر الصورة النمطية للزائر إلى مدينة الرقة مشاهد من التسوّل وعمالة الأطفال، وامتهان النساء والأطفال وكبار السن مهنة التقاط بقايا الطعام والبلاستيك والمعادن من الحاويات ومكبات النفايات والأبنية المهجورة، في وصف عن أشدّ درجات الفقر التي لاقاها السكان المحليون منذ نشوء حاضرة مدينتهم في العصر الحديث.
وهنا تتجلى مشاهد التسول كخيار مقيت، وحين تعجز مئات من العوائل عن تأمين لقمة العيش بكرامة، تتحوّل بديهياً إلى الشارع، تمد الأكف بحثاً عن المساعدة.
عملت في محافظة الرقة، خلال سيطرة الإدارة الذاتية، مايقارب 120 منظمة إغاثية وإنسانية، لكنها وخلال تلك الأعوام الثمانية، لم تستطع أن تغير من الثلاثية المتلازمة « الفقر والتسول وعمالة الأطفال والنساء»، بل إن الظواهر تزايدت بشكل أكبر خلال العامين الأخيرين”2024_2025″.
وما فاقم الأزمة هو أن بعض الأطفال يُجبرون على التسول من قِبل أسرهم، أو يُستغلَّون من شبكات منظمة، كتلك التي تقوم بنقل النساء والأطفال بشكل مجمع بالقرب من «دوار الدلة، ودوار الساعة، ودوار النعيم»، لتبدأ رحلة البحث في شوارع مركز المدينة ومحالها التجارية، فتتحول الظاهرة إلى جريمة مزدوجة: قتل للطفولة، وشرعنة للفقر.
مراسل «الثورة» في الرقة قال: إن آلاف العوائل تعيش أسوأ ما يمكن وصفه من قلة إمكانات معيشية وحرمان من الإغاثة والمساعدات ومخصصات الإعانة، سواء الطبية أو المعيشية أو العينية.
و يكفي أن تمشي في أي شارع من شوارع مدينة الرقة «الوادي،٢٣شباط ،تل أبيض،القوتلي»، حتى تواجه مئات من حالات التسول من عجزة وذوي إعاقة ونساء وأطفال.
أما المشهد الثاني، فهو في مخيم «سهلة البنات» شرق الرقة،حيث الآلاف من النساء والأطفال في مكب النفايات المجاور للمخيم، يبحثون عن لقمة تسد رمق الحاجة والجوع والحرمان.
وأضاف المراسل: المخيمات العشوائية التي ضمت أكثر 13 ألف عائلة في 41 مخيماً، هي الأسوأ حالاً من أحياء المدينة، حيث لا طبابة ولا مخصصات، ومجموعة خيام متناثرة ومرقّعة، تجمعهم الغربة وضنك العيش، ومنازلهم المهدمة في مناطقهم التي نزحوا منها، وهي أرياف « ديرالزور، حماة، إدلب ، حلب».