لم يكن الحديث الروسي عن نية واشنطن استقدام الشركات الأمنية أو العودة إلى الاستعانة بها، رغم ما تراكم من إرث ممارساتها البشعة وارتكاباتها، لم يكن عفو الخاطر، ولا هو مجرد إخبار أو بثّ معلومة يُراد منها الإخطار، بل بدت رسالة مكتملة الأركان، تحمل ما يكفي من تحذير، وتنطوي على ما يكفي أيضاً من مضامين على النيات الأميركية المبيّتة.
فأميركا لم تكتفِ بمرتزقتها الذين استعانوا بالإسرائيليين لتسويق مسروقاتهم من النفط السوري، وربما لم تعد تثق بهم وبمن استعانوا، وأن دورهم كنواطير حراسة في سرقة النفط السوري للحساب الأميركي وغيره يعاد النظر فيه، وفي الوقت ذاته توجيه رسالة واضحة بأن الأمر لا تريده أن يكون خارج مساحة سطوتها وهيمنتها وبكامل التفاصيل الملحقة به، حتى لو دخلت إسرائيل على الخط الذي يبقى مجرد شاهد إثبات على الدور الخياني لأولئك المرتزقة.
الفرق هنا لا يتعلق فقط بالأداء، وإنما ينسحب كذلك على النظرة الأميركية لكل من تعامل معها في سياق التجربة التاريخية للوجود الأميركي، حيث ثبت أنها لا تتأخر في قطع العلاقة القائمة واجتثاث كل الإضافات والتراكمات حين تقتضي المصلحة الأميركية ذلك، ولا تتردد في نسف كل ارتباط مع هؤلاء حين يصبحون عبئاً عليها وعلى سياستها، ويصبح احتضانهم مكلفاً أكثر من خدماتهم المقدمة.
الخطير في المقاربة ما أشارت إليه التحذيرات الروسية في سياق الفهم العميق لمدلولات الممارسة الأميركية، وأن كل ما يشاع عن قرب انتهاء الوجود الأميركي كان مجرد أكاذيب اعتادت أميركا تسويقها لدى أدواتها من دون خجل ولا حياء، وأن ما تُقدم عليه يؤشر إلى الرغبة في الإبقاء على حضورها، على عكس ما أعلنه رئيسها، وأن كلامه كالعادة لا يعكس الحقيقة، ويضاف إلى سلسلة أكاذيبه اليومية، وإن كان هذه المرة من العيار الثقيل.
النيات الأميركية المبيّتة لم تتوقف هنا، بل جاءت أيضاً في تحذير روسي آخر، وهذه المرة على لسان الوزير لافروف من محاولة الإدارة الأميركية تصعيد الموقف حول إدلب، الذي رأى فيه الوزير الروسي انقلاباً في موقف الإدارة الحالية، ويعيد التذكير بمقاربة الإدارة السابقة والرئيس أوباما آنذاك، في إشارة واضحة إلى التصعيد الأميركي على محاور متعددة، لم تكن الرغبة في الاستمرار بسرقة النفط السوري والتحكم بمآلاتها إلا أحد مظاهرها.
يبقى السؤال الجوهري عن ماهية الدور الذي سيوكل إلى ميليشيا «قسد» ومشتقاتها ومستنسخاتها؟ وخصوصاً أن الأميركيين حين يحضرون في الشركات الأمنية أو سواها لا يقاسمون أحداً في لصوصيتهم وسرقاتهم، وأن أقصى ما يمكن أن يصل الدور الوظيفي لتلك الميليشيات أن تكون أدوات تحت إمرة الأميركي وللحساب الأميركي، وفي أفضل الحالات مجرد أجراء ونواطير حراسة على اللصوص الذين ينهبون ثروات الشعب السوري، وسينتهي مآلهم إلى ما انتهى إليه مآل كل خائن وعميل.
a.ka667@yahoo.com
الافتتاحية بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الجمعة 19-7-2019
الرقم: 17028