تحت عنوان انقاذ اتفاق ايران النووي ,اجتمع كل من ألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين لمناقشة التوصل لاتفاق جديد مماثل لاتفاق ايران النووي الذي أبرم في عام 2015 ,كما يتوقع أن يتم إجراء نقاشات التدابير التي يتبعها الإتحاد الأوروبي للتصدي لعقوبات واشنطن والتي من شأنها أن تترك آثاراً ايجابية -ولو محدودة- على الاقتصاد الإيراني .
كان من شأن هذا الاجتماع أن يظهر أوروبا بمظهر الملتزم بضمان استمرارية الاتفاق النووي حتى ولو كان ذلك عل حساب الابتعاد عن واشنطن والعمل مع موسكو وبكين وطهران لكنها ظهرت بمظهر من يحاول تهدئة ايران من التصعيد الذي جرى مؤخراً في هرمز
قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني فاجأ العالم ,رغم أن الجميع كانوا يتوقعون قراره بما فيهم ايران ,لكن الدول الموقعة على الاتفاق ظلت متمسكة به على أمل أن يتراجع الرئيس الأميركي ترامب عن قراره في ظل الموقف الدولي الرافض له ,والتحذيرات من التداعيات السلبية التي يمكن أن تنتج عنه .
قرار الانسحاب من الاتفاق كان أشبه بقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس ,قراران خطيران اتخذهما ترامب وسط رفض دولي وتحذيرات من العواقب ,لكن ترامب اتخذ القرارين متجاهلاً المواقف والتحذيرات ,ومضى في طريقه في رسالة واضحة بأنه ينفذ تهديداته ,وينفذ ما وعد به بغض النظر عن مواقف الآخرين .
لقد أثار الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تساؤلات عديدة حول التداعيات المحتملة لهذه الخطوة ,خاصة فيما يتعلق بمصير وإجراءات ترامب التالية وإدارته ضد ايران ,ورد الفعل الإيراني ,وإلى أي مدى يمكن أن يصل التصعيد في الأزمة بين واشنطن وظهران ,وتأثير ذلك على الوضع في منطقة الشرق الأوسط ,وكذلك فيما يتعلق بتأثير القرار على العلاقات الأميركية-الأوروبية ,ومدى قدرة هذه الدول على إنقاذ الاتفاق .
الرئيس الأميركي برر قراره بأن الاتفاق يوفر تخفيفاً للعقوبات دون أن يفرض ما يكفي من القيود الصارمة على برنامجها النووي أو أنشطتها «الشريرة» الأخرى ,ويرى ترامب أن ايران استغلت الاتفاق ورفع العقوبات الاقتصادية من أجل تعزيز ترسانتها الصاروخية ,والمضي قدماً في تطوير برنامجها النووي بشكل يمثل تهديداً للمصالح الأميركية في المنطقة ,فيما تؤكد طهران أن برنامجها النووي مصمم للأغراض السلمية .
لم يكتف ترامب بالانسحاب من القرار ,بل قرر فرض سلسلة من العقوبات ضد طهران ,محذراً من أن واشنطن ستفرض عقوبات أيضاً على أي دولة تساعد ايران ,فيما توعد وزير الخارجية مايك بومبيو طهران,ب»عزلة دبلوماسية واقتصادية» .
في المقابل ,ذهبت معظم المواقف الدولية إلى رفض الخطوة الأميركية بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني ,مؤكدة أن تنفيذ الاتفاق يشير إلى أن ايران ملتزمة,ويمكن تعديله لتلافي أي سلبيات فيه . من جانبها قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية :إن ايران مستمرة بالوفاء بالتزاماتها النووية بموجب الاتفاق مع القوى العالمية .
قرار ترامب يزيد الضغوط على التحالف بين أميركا وأوروبا التي تريد الحفاظ على الاتفاق ,فقد زار القادة الأوروبيون واشنطن واحداً تلو الآخر ,وحلوا تلبية مطالب ترامب وناشدوه الإبقاء على الاتفاق .كما طالبت دول أوروبية أخرى واشنطن بطرح حل للأزمة بعد قرار الانسحاب .
ويرى دبلوماسيون ومحللون غربيون أن قدرة أوروبا على إنقاذ الاتفاق النووي تعتمد على نحو كبير على رد فعل الشركات الأوروبية على الوضع الجديد ,وكيف ستحاول أميركا معاقبة هذه الشركات التي تتعامل مع ايران وخصوصاً ,وأن أوروبا شريك اقتصادي لإيران .
لكن ثمة من يرى أنه سيكون من الصعب على أوروبا تجاهل الموقف الأميركي ,حيث لا يمكن إجبار البنوك والشركات الأوروبية الكبيرة على القيام بأنشطة تجارية مع ايران ,لأنها ستكون عرضة للعقوبات الأميركية ,لكن هذا لن يثني أوروبا عن مواصلة جهودها لإنقاذ الاتفاق من خلال آليات أخرى ,من بينها العمل على إدخال تعديلات عليه .
يرى خبراء أن الولايات المتحدة بانسحابها من الاتفاق النووي الإيراني تجازف بمزيد من العزلة والضبابية ضد ايران ,حيث يزيد القرار الأمر صعوبة على الولايات المتحدة في حشد دعم الحلفاء الأوروبيين وغيرهم لأي تحرك في المستقبل ضد ايران يتجاوز نطاق الملف النووي .
إن الخطوة الأميركية ستتسبب أيضاً في بيئة أكثر ضبابية في الشرق الأوسط ,حيث قد تقرر ايران استهداف المصالح الأميركية بعلانية أكبر أو تواصل تقليصها .كما سيزيد عزلة الولايات المتحدة عن روسيا والصين فيما يتعلق بالسياسة مع ايران وسيزعج الحلفاء الأوروبيين ,
وعليه ,فإن منطقة الشرق الأوسط مرشحة لمزيد من التوترات خلال الفترة القادمة إذا فشلت محاولات إنقاذ الاتفاق النووي ,وتزيد احتمالات التوتر في المنطقة ,فيظل احتمال تصاعد التهديدات المتبادلة بين ايران و»اسرائيل» .
من جهة أخرى ,بدا الموقف الإيراني تجاه الخطوة الأميركية متشدداً ,خاصة من جانب الذي عبر عن استيائه من الاتفاق ,وقال:قلت مراراً منذ اليوم الأول :لا أثق بأميركا ,مشيراً إلى أنه لا يثق أيضاً بالدول الأوروبية .فيما قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي :إن ايران ستواصل تطوير برنامجها الصاروخي .وأضاف سنزيد قوتنا الدفاعية يوماً بعد يوم ,وسنقوم بتحديث صواريخنا وفقاً لجدولنا الزمني ,لنفقأ عين كل من يضمر الشر لشعبنا.
ثمة مراقبون يرون أن الرد الإيراني على القرار الأميركي أظهر حرصاً على إنقاذ الاتفاق لا الانسحاب منه ,حيث سعت طهران بذكاء دبلوماسي للبناء على الموقف الأوروبي المتمسك بالاتفاق والمعارض بوضوح لقرار ترامب .
حسن حسن
التاريخ: الجمعة 2-8-2019
الرقم: 17040