منذ قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران والانسحاب من اتفاق دولي وُصف بالتاريخي كونه استغرق ثلاثة عشر عاماً من التفاوض الدولي المستمر والصعب برعاية الأمم المتحدة لإنجازه، لم تتوقف التحليلات والاستنتاجات بشأن الأسباب الكامنة وراء إقدام ترامب على هذه الخطوة «المجنونة» التي ألحقت أثاراً سلبية بالسلام العالمي نتيجة الافرازات التي نجمت عنها، وخاصة التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقة الخليج، إذ ليس سراً أن هذه المنطقة تقف اليوم على شفا حرب مدمرة بانتظار من سيتجرأ على إشعال عود الثقاب الأول فيها.
رغم تأكّد العالم من الشخصية العصابية المثيرة للجدل التي يتحلى بها ترامب، والتي عبرت عن نفسها كثيراً بخطوات استفزازية كثيرة في السنوات الثلاث الماضية من عمر ولايته، إلا أن تمزيق اتفاق بهذه الخطورة وتهديد السلم العالمي على هذا النحو لا بد أن يقف خلفه أسباب أخرى غير الشخصية، لأن القرار الأميركي يؤخذ عبر مؤسسات متحكمة قبل أن يصبح واقعاً على الأرض، وفي هذه المسألة الحساسة لا بد من أخذ تأثير اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية بالاعتبار، إذ أن الكيان الصهيوني هو أكثر الجهات التي أبدت سخطها واستياءها من الاتفاق النووي مع إيران بسبب الايديولوجيا الصهيونية المعادية لإيران، وقد نشط رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو خلال السنوات الماضية على خط عرقلة توقيع الاتفاق، ومنذ عام 2015 كان استهداف الاتفاق والعمل على إسقاطه أبرز أهداف نتنياهو وحكومته، لأسباب تتعلق بدعم إيران للمقاومة العربية ضد الاحتلال وإفشالها للمشاريع الصهيونية في المنطقة، ويضاف إلى ذلك التحريض الذي مارسته بعض المشيخات الخليجية ضد إيران من زاوية علاقتها وارتباطها غير المعلن بالكيان الصهيوني، وقد استغل ترامب ــ صاحب العقلية التجارية الانتهازية ــ حالة العداء بين هذه المشيخات وإيران واستثمرها على شكل صفقات أسلحة على نية مواجهة الخطر الإيراني المزعوم، حيث يؤكد الإعلام الخليجي الموجه ضد إيران كل يوم أن بعض حكام الخليج هم في صلب تمزيق الاتفاق وقد دفعوا ثمن ذلك باهظاً.
من جهة ثانية يعتبر وجود الاتفاق والالتزام بمقتضياته عاملا مساعدا على استقرار واستتباب الأمن في المنطقة ووقف حالة العداء فيها، وهذا يمكن أن يخفض مستويات بيع الأسلحة الأميركية في المنطقة لانتفاء الحاجة إليها.
غير أن اللافت في القضية والجديد فيها هو الوثائق السرية التي سربها سفير بريطانيا في واشنطن كيم داروك، حيث يؤكد أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي مع إيران لأنه مرتبط بسلفه باراك أوباما، ومن المعلوم أن هذه التسريبات أدت إلى نشوب أزمة دبلوماسية بين لندن وواشنطن، وكان داروك قد وصف إدارة ترامب في مذكرات له نشرتها صحيفة ميل أون صنداي الأسبوع قبل الماضي بأنها «خرقاء وتفتقر للكفاءة» ما أثار غضب ترامب ودفع السفير إلى تقديم استقالته، ما يعني أن الانسحاب من الاتفاق النووي كان لأسباب شخصية حسب الصحيفة.
ورغم أن قضية الاتفاق النووي حساسة وأكبر من أن تتحمل العوامل والأسباب الشخصية، إلا أن هذا الأمر غير مستبعد، وقد سبق لترامب أن انسحب من اتفاقية باريس المناخية التي وقع عليها أوباما، وألغى قانون أوباما كير للضمان الصحي، ونسف الكثير من القرارات التي اتخذها أوباما خلال رئاسته، ما يرجح وجود الأسباب الشخصية وطبعاً وبكل تأكيد من دون تجاهل أو استبعاد بقية الأسباب التي سبق ذكرها.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الجمعة 2-8-2019
الرقم: 17040