في نهاية حزيران الماضي نجا العالم من حرب مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران فالعلاقات بين البلدين وصلت إلى درجات عالية من التوتر في الفترة الأخيرة، لكن ما الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد؟
لطالما اعتبرت أميركا ان ايران عدوها في الشرق الأوسط، فمنذ الحرب العالمية الثانية شكلت الولايات المتحدة أكبر قوة مهيمنة على العالم، لكن لا يمكنها أن تحتفظ بهذه السيادة إلا من خلال اتباعها سياسة خارجية عدوانية ترتكز على السيطرة الكاملة على الثروات الأولية على مناطق النفوذ في المواقع الاستراتيجية، ويشكل الشرق الأوسط الذي يحظى بأكبر احتياطي للنفط والغاز في العالم منطقة نفوذ مغرية بالنسبة لها، وإيران واحدة من أكبر الدول هذه في المنطقة، لكنها من الدول القلة التي تقود طريقا مستقلا وترفض السير خلف خطا الولايات المتحدة، بالإضافة إلى كونها غنية بالغاز والبترول وتسيطر على الخليج العربي ومضيق هرمز – الذي يمر منه نسبة٢٠% من إمدادات النفط العالمي، هذا عدا تمتعها بموقع استراتيجي هام بين الشرق الأوسط وآسيا فهي البوابة نحو الصين، ففي حال تمكنت أميركا من السيطرة على إيران يمكنها بالتالي إضعاف الصين التي طالما شكلت هدفا للحكومات الأميركية.
القنبلة
إيران محاطة بقواعد عسكرية أميركية ومنذ ١٩٥٠ وهي تمتلك برنامجا نوويا مدنيا، ولم تطور سلاحا نوويا ولا حملت صواريخها قنابل من هذا النوع؛ لكن الولايات المتحدة وأعداء إيران الإقليميين كإسرائيل والسعودية يعتبرون برنامجها النووي عدائياً.
وكان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد وقع اتفاقا نوويا مع إيران لحماية المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. ووافقت إيران مقابل تخفيف الغرب عقوباته الاقتصادية التي فرضها عليها، ودافع الاتحاد الأوروبي عن هذا الاتفاق، وبدت العلاقات الأوروبية الإيرانية هادئة.
لكن قرر الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب اتباع سياسة مغايرة جدا، ففي العام الماضي أصدر مرسوما بانسحاب أميركا من الاتفاق النووي، أمام ذلك قررت إيران العمل على تنمية قوتها وتدرك الحكومة الأميركية الحالية أن واقع الشرق الأوسط الحالي يختلف عن الماضي، فقد خسر الأميركيون الحرب في سورية، ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها التي خرجت بالتالي عن السيطرة الأميركية.
العقوبات اللاإنسانية
فرض ترامب أقصى العقوبات المالية على إيران كما أخذ يضغط على الشركات الأوروبية لتتخلى عن استثماراتها في إيران.
وفي غضون أشهر معدودة توقف تداول المدفوعات بين البنوك الإيرانية والغربية وارتفعت الأسعار ثلاثة أضعاف.
العقوبات هي شكل من أشكال الحرب تهدف لاستفزاز الشعب ليثور على الدولة واعترف بذلك وزير الخارجية الأميركي بومبيو، كما أكد ترامب أن استخدام سياسة «الضغط الأقصى» تسعى إلى حصول الولايات المتحدة على صفقة نووية جديدة مع إيران، وهي صفقة تركع إيران أمام الغرب… ولهذا الغرض تم طرح الخيار العسكري.
التصعيدات الأخيرة
بداية في ١٣ حزيران اتهم ترامب إيران بمهاجمة ناقلتي نفط في مضيق هرمز، لكن الاتحاد الأوروبي واليابان لم يقفا إلى جانب السياسة الأميركية بفرض عقوبات مميتة. بعد أيام أسقطت إيران طائرة أميركية دون طيار كانت تحلق فوق أراضيها أرادت أميركا الهجوم العسكري وانسحب ترامب في اللحظات الأخيرة بحجة خوفه على المدنيين.
أين كان إحساسه هذا حين فرض العقوبات الاقتصادية؟ يبدو من هذا التردد أن حاشية ترامب منقسمة فيما بينها، فحرب كهذه قد تجر العالم كله إلى صراع مدمر، والكثير منهم يخشى من التكلفة الباهظة لغزو عسكري كهذا، إذ في مثل هذه الحالة قد تلجأ إيران إلى سد مضيق هرمز ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز.
رغم تعريض الوضع الجيوسياسي للخطر والأموال الطائلة التي قد تكلفها الحرب لماذا يصر ترامب على دفع العالم للمرة السابعة إلى الحرب المدمرة؟ الجواب هو: الصين.
العديد من دول الشرق الأوسط التي ترغب بالتطور سياديا بعيدا عن التأثر بأي هيمنة تعمل اليوم مع الصين وروسيا، هذا التعاون يتناقض مع الولايات المتحدة التي ترى في الشرق الأوسط ملعبا لها.
يعتبر ميناء جوادار على الحدود الإيرانية-الباكستانية شرق مضيق هرمز مثالا رمزيا حيث اتفقت باكستان مع الصين على تشغيله لمنح الاقتصاد الإيراني دفعا نحو الامام، لكن هذا الأمر يجعل أميركا تظن أنه يمكن للصين الآن التحكم في الشحن في مضيق هرمز وخليج عمان.
أيضا المشروع الصيني (سيلك رود) الجديد، وهو مشروع البنية التحتية للطرق البرية والبحرية يعزز موقف إيران بحيث تصبح شبكة السكك الحديدية أداة نقل أساسية تؤدي لتحسين الاقتصاد الإيراني وتعزيز مكانة الصين كأكبر قوة اقتصادية في العالم.
فإضعاف الصين بأي طريقة هو ما يجمع استراتيجيي البيت الأبيض ليقرروا شن حرب على إيران، البوابة إلى الصين. والآن أدخلت إيران نظاما نقديا لكسر العقوبات الأميركية.
إيران ليست معزولة فقد أدانت الصين وروسيا مرارا وتكرارا العقوبات الأميركية ضد ايران، واستوردت هذه الدول النفط الإيراني مؤخرا، أما بيع النفط للصين في شكل الآن القوة المالية لإيران.
على المستوى الدبلوماسي أيد الروس قرار إيران بإعادة تخصيب اليورانيوم، والضغط على الاتحاد الأوروبي لتفعيل النظام النقدي الخاص داخل الاتحاد الأوروبي.
لماذا يزعج الغرب التخصيب؟ لأنه يجعل من الممكن إنتاج الوقود لمحطات الطاقة النووية، أما اليورانيوم المخصب بكميات كافية يمكن أن يساعد بصناعة قنبلة نووية.
بقلم: ايزابيل فانبرابانت- عن سوليدير
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الجمعة 2-8-2019
الرقم: 17040