اجتماع فيينا لإنقاذ الدول الكبرى

احتفل العالم في عام 2015 بتوقيع اتفاق فيينا النووي بين إيران من جهة ومجموعة 5+1 أو الدول الكبرى وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا من جهة أخرى، وجاء الاتفاق تتويجا لجولات طويلة من المفاوضات الشاقة، وبعد سنوات طويلة من التوتر بشأن البرنامج النووي الإيراني، كان الغرب يتهم إيران بالسعي لتصنيع أسلحة نووية لكن الأخيرة أثبتت سلمية برنامجها النووي من خلال قبولها بالحد من أنشطتها النووية الحساسة وكذلك بالسماح بدخول المفتشين الدوليين إلى المواقع الإيرانية مقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية عنها.
لقد حقق اتفاق 2015 شيئاً من المطالب للدول الكبرى ولإيران على حد سواء، ذلك أن الأخيرة ستتمكن من بيع نفطها والقيام بمبادلات تجارية مع الأوربيين وفق ما يسمى نظام INSTEX.
وفي أيار 2018 انسحبت إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق، ليس لأنه مهين لأميركا بل لأنه أعطى هامشا لإيران طوَرت من خلاله قدراتها كما يدعي ترامب، الأمر الذي اعتبرته تل أبيب خطراً وخاصة في ظل التقارب الدائم بين طهران وحلفائها في المنطقة، وأتبعت واشنطن انسحابها بسلسلة من العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الإيراني.
الايام الأخيرة من الأزمة شهدت تصعيداً غربياً بكثرة التهديدات والعقوبات، قابل ذلك تصميم إيراني يرفض أيَ مفاوضات مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي ويؤكَد على تعزيز استراتيجية الردع العسكري الإيراني وقد تمثل ذلك باحتجاز ناقلة النفط البريطانية ودون تأخير رداً على احتجاز بريطانيا ناقلة إيرانية في مياه جبل طارق ما يشكل خرقاً لاتفاق فيينا 2015، وتصوير العملية بالصوت والصورة بحرفية وتقنية عالية وتزامن ذلك بإسقاط طائرة أمريكية مسيرة على ارتفاع 20 كيلومتراً عندما اخترقت الأجواء الإيرانية وكذلك مراقبة السفن وناقلات النفط العابرة للخليج ولمضيق هرمز وإذا أضفنا لذلك ,وفي ذروة أزمة الناقلات , تجربة أطلاق صاروخ شهاب 3 والذي يبلغ مداه 1000 كيلو متر كل هذا أعطى ثماره في إرباك المعسكر الأمريكي لدرجة التشتت, فتارة يطلب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبييو زيارة طهران وتارة تلجأ كل من واشنطن ولندن لاستراتيجية الوسطاء بحثا عن خروج من المأزق في دليل على الارتباك لدى الجانب الغربي.
هنا وفي هذه المرحلة, وفي تكتيك ذكي من قبل الإيرانيين كان لابد من اللجوء إلى التهديد بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم بمعدلات مرتفعة أكثر من السقف المتفق عليه في الاتفاق النووي لعام 2015 وأيضاً إعادة العمل في مفاعل أراك وزيادة وحدات الطرد المركزي فيها .فإذا استعرضنا كل تلك المؤشرات سنجد أنها استراتيجية تقوم على امتلاك المزيد من أوراق الضغط لتحسين الموقف التفاوضي عندما دعت العواصم الأوربية لعقد اجتماع فيينا جديد يوم الأحد الماضي لإنقاذ اتفاق فيينا 1 وبخاصة أن طهران تعلم تماما الوضع السياسي الحساس الذي تمر به كل من لندن التي تشهد أزمة داخلية نتيجة الانتقال الحكومي المحفوف بالمتاعب والخلافات وأن المواجهة مع إيران هي آخر ما يفكر فيه بوريس جونسون رئيس الحكومة البريطانية الجديد,وكذلك الانتخابات الرئاسية القادمة التي ينظر إليها ترامب بعين بينما عينه الأخرى على منطقة الخليج وتطوراتها .
لقد ثبت أن الدول الأوربية الكبرى تمارس لعبة الكذب لقد كانت بعيدة عن تلبية مطالب إيران القانونية وفق الاتفاق, فهي اعتقدت ولبرهة من الزمن أن اتفاق 2015 سيكبل القدرات الإيرانية الكبيرة ويشلها نهائيا, وهكذا شيئاً فشيئاً تنصلت العواصم الأوربية من التزاماتها فازدادت العقوبات وتوقف التبادل التجاري، ما عكس النوايا الغربية غير الصادقة التي ترى مصالحها فقط.
إن انعقاد اجتماع فيينا الجديد بناءً على طلب إيران من جهة إنما ليضع النقاط فوق الحروف ولكشف لعبة الكذب والخداع والمماطلة واللامبالاة لدى الغرب ولإعادة الأمور إلى نصابها، فإيران تريد وبشدة رفع العقوبات وهذا ما عبرت عنه الصين وروسيا التي اقترحت أن تحل محل أوروبا في تسويق النفط الإيراني (مليون برميل يومياً) بينما تريد (القوى الكبرى) أن تعيد طهران إلى نقطة الصفر، بحيث يتم ممارسة الاستراتيجية ذاتها وممارسة الابتزاز لدول المنطقة نتيجة خلق أزمات وتوترات ليس لها نهاية.
بقلم: باتريك ليسيه- عن Alter info

ترجمة: محمود لحام
التاريخ: الجمعة 2-8-2019
الرقم: 17040

 

 

آخر الأخبار
اتصالات طرطوس تضع مركز حمين بالخدمة إيران تطالب مجلس الأمن بإدانة "العدوان الإسرائيلي" على أراضيها زيادة الرواتب أمل يتجدد بين التصريحات والواقع ..  كيف ستنعكس على معيشة السوريين؟   ترحيب حقوقي واسع بالحكم الألماني ضدّ الطبيب علاء موسى.. خطوة مفصلية في مسار العدالة والمساءلة العودة المؤجلة.. بين الحنين إلى الوطن والخوف من المجهول من الهامش إلى الحياة: نداء لتمكين ذوي الإعاقة بعد الحرب عودة أولى للمهجّرين إلى بلدة الهبيط.. بداية استعادة الحياة في القرى السورية بعد التهجير بالتعاون مع وزارة الشباب.."المالية" تقود خطة لدعم الرياضة في سوريا جمعية العون.. نقل طلاب الغارية الشرقية بدرعا للمراكز الامتحانية مجاناً الذكاء الاصطناعي الوهمي.. كيف خدعت شركة "Builder.ai" العالم والمستثمرين..؟ "نقل اللاذقية" تطلق خدمات إلكترونية جديدة طغيان النزعة الاستهلاكية.. إفراز عصري أم انحراف سلوكي؟ إبداعات الأطفال مخاطر الفساد الهندسي على التنمية العمرانية د.طرابيشي: تلاعب برخص البناء وتساهل في تمرير المخالفات الرهجان.. تفتقد الخدمات وبلديتها بلا إمكانيات إبداعات الأطفال مبدع من بلدي روبوتي الذكي باسبارتو توزيع سلل صحية في ريف جبلة مرسوم بمنح الموفد سنة من أجل استكمال إجراءات تعيينه إذا حصل على المؤهل العلمي