ساعات قليلة بعد الانسحاب الرسمي للولايات المتحدة من أهم معاهدة نووية في العالم يعلن البنتاغون بوضوح نيته تطويق الصين بصواريخ متوسطة المدى في خطوة جنونية نحو تسلح نووي.
إن نشر الصواريخ الأميركية في منطقة الباسيفيك سيحول الخاصرة الصينية وجزر الباسيفيك المحيطة إلى جبهة حرب نووية، كما سيعرض حياة مليارات الأشخاص للخطر في الصين وكوريا واليابان وتايوان وعلى امتداد المنطقة كلها.
واشنطن انسحبت من معاهدة (FNI) التي وقعتها مع الاتحاد السوفيتي زمن الحرب الباردة، والتي تنص على منع كلا الاثنين من نشر صواريخ متوسطة المدى، لأنها تتعارض مع أهدافها بنشر تلك الصورايخ في محيط بكين، ذلك أن الخوف الأميركي من قدرات الصين يتبدى ويظهر بوضوح من تصريحات المسؤولين الأميركيين الذين أعلنوا صراحة أن قوة الصين وقدرة جيش تحريرها الشعبي هي من نتائج العلاقات التجارية واقتصادها الذي استطاعت تطويره بتواتر مرتفع وهذا ما سمح بتطوير جيشها، فواشنطن تجد في النمو الاقتصادي والتجاري الصيني تهديدات عسكرية يجب التصدي لها بوسائل تنطلق من المواجهة التجارية إلى التهديد العسكري حتى الحرب الشاملة وبالاضافة إلى إنهاء معاهدة (FNI) يوم الجمعة الماضي فقد أعلنت الولايات المتحدة عن ثلاثة تحديات أمام الصين: فقد خفض البنك المركزي الأميركي نسب الفائدة للاعتمادات الفيدرالية في قرار اعتبر أنه يهدف إلى تخفيض الدولار وتحسين الصادرات الأميركية، وكان ترامب قد أعلن عن اقتراح يهدف إلى تطبيق قانون فرض رسوم جمركية بنسبة ١٠٪ على جميع المنتجات الصينية التي لم تخضع بعد لقوانين الاستيراد وفي اليوم ذاته انضم النواب الديمقراطيون إلى نظرائهم الجمهوريين لإقرار الميزانية العسكرية الأضخم في تاريخ الولايات المتحدة. مؤيدين بشكل كبير قدرة الولايات المتحدة على شن حرب ضد «قوة كبرى».
وأنه لم يتم التعرض والنقاش بشكل جدي لهذا التصرف في وسائل الإعلام الأميركية فهذا أمر لافت يدل على اتفاق بين الديمقراطيين وترامب حول ضرورة التحضير لحرب مع الصين كما قال رئيس حملة انتخاب ترامب سابقاً ستيف بانون: إن الذي سيربح الانتخابات سواء أكان ديمقراطيا ام لا سيكون ايضاً من اكبر الصقور، الديمقراطيون أيضا متشددون مثل الجمهوريين حول هذه المسألة وفي بعض النواحي فإن الديمقراطيين أكثر تطرفاً في لهجتهم ومثال على ذلك في حزيران الماضي صرح المرشح الديمقراطي للرئاسة بيتر بتجيينغ : (إن صراعاً مع الصين سيكون الأساس في «الوحدة الوطنية» وأن تحدياً جديداً للصين يقدم لنا فرصة في موضوع الخلاف السياسي وعلى الأقل فإن نصف المعركة في داخل البلاد).
وكانت الخزانة الأميركية قد صنفت الصين بـ»البلد المهيمن على النقد» مشيرةً إلى أن الحرب التجارية تتكثف في حرب نقدية (حرب عملات) وقد أعلنت أن الصين لها تاريخ طويل في زيادة التدخل على نطاق واسع في سوق العملات.
لكن الاتهام الأميركي للصين هو تزييف للواقع، فالسلطات الصينية تدخلت بشكل فعال في السوق النقدية ليس لخفض قيمة العملة الصينية فقط إنما لمنعها من الانهيار وخوفا من أن يؤدي ذلك إلى هروب رؤوس الأموال، ومع التدخل النقدي الذي اتخذ قراره بعد نقاشات على مستوى عال وسط الحكومة أعلن بنك الصين الشعبي أن تدني سعر النقد تم فرضه بتأثير الإجراءات الأحادية الجانب على التجارة، وتوقع بفرض الرسومات الجمركية ضد الصين وفي رد لاحق أعلنت الصين أن شركاتها كانت قد علقت مشترياتها من المنتجات الزراعية الأميركية وأن الحكومة الصينية لا تستبعد فرض رسوم على المنتجات الزراعية المشتراة بعد ٣ آب وذلك يقود بوضوح إلى أنه بعد عام من التصعيد المستمر نحو حرب تجارية من قبل الولايات المتحدة لا يوجد هناك أي آفاق للتوصل إلى اتفاق مع واشنطن وأنه كان من الضروري التحضير لما سماه الرئيس الصيني «مسيرة طويلة».
وقد عززت هذا التخمين أحداث أخرى حصلت في الأيام الأخيرة وخلال الساعات التي تبعت الانسحاب الرسمي للولايات المتحدة من المعاهدة النووية، فوزير الدفاع يصرح بأن الولايات المتحدة تنوي نشر صواريخ متوسطة المدى في منطقة الباسيفيك ضد الصين، وتعليقات لاحقة لوزير الخارجية بومبيو يربط فيها النمو الاقتصادي للصين بقدراتها العسكرية ثم يغرد ترامب على تويتر : «الصين خفضت سعر عملتها إلى أدنى مستوى في تاريخها وهذا يسمى تلاعبا بالعملة فهل يسمع الاحتياطي الفيدرالي؟»
إن تخفيض سعر العملة الصينية أدى إلى هبوط في الأسواق عبر العالم من آسيا إلى أوروبا وأخيرا في الولايات المتحدة. هناك إشارات واضحة بأن الأزمة تتزايد في أوروبا وقد بدأت تتلمسها، مدير البنك المركزي الأوروبي وصف ظروف القطاع الصناعي بأنها تزداد سوءاً في حين يتحضر البنك المركزي لإعلان إجراءات جديدة من أجل «إنعاش اقتصادي» في الوقت الذي يزداد فيه قلق الأوساط الاقتصادية والتجارية الأميركية من التصعيد المستمر جراء هجوم ترامب، وقرار الخزانة الأميركية بعد التهديد المتعلق بالتعرفة الأميركية يشير إلى توجه جديد.
القوى الاقتصادية الكبرى تتهيأ لتخفيض سعر عملاتها ضمن سياق ركود وصراع اقتصادي متزايد فالظروف مجتمعة تنذر بأزمة كبرى للنظام النقدي.
ALTERINFO
ترجمة : مها محفوض محمد
التاريخ: الخميس 8-8-2019
الرقم: 17044