مؤامرة إسرائيلية – أميركية تُحاك للسودان

في نيسان الماضي، أطاحت (الاحتجاجات الشعبية) بالرئيس عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان.وكالعادة، صوّرت وسائل الإعلام العالمية الأحداث في السودان وعلى غرار ما فعلت سابقاً في كل الدول العربية على أنها انتفاضة شعبية ضد ديكتاتور قمعي، ومع ذلك يكشف التأمل الدقيق والتحليل العميق للتاريخ الجيوسياسي المعقّد لهذا البلد أن القوى العالمية الكبرى لعبت وتلعب دوراً حاسماً في خلق الاضطرابات الداخلية في السودان تمهيداً للإطاحة بنظام معادٍ للمصالح الإسرائيلية والأميركية الكبرى والبعيدة المدى …ألا وهي الوصول الى النيل ومنابعه.
يتمتع السودان بميزات هائلة من حيث الامتداد الواسع وخصوبة الأراضي الزراعية ووفرة المياه ما جعله في أمن غذائي قل أن يتمتع فيه جيرانه من الدول…فإذا أخذنا بعين الاعتبار ما اكتُشف وما يُكتشف من الثروات فيه، وحتى اليوم فلا غرابة أن يكون السودان محل أطماع الغرب.
لذلك كان من المحتم أن تُحاك المؤامرات ضده وبأشكال مختلفة، وهكذا ومن لا شيء تم خلق مشكلة إقليم دارفور …..المتهم جاهز وفي القفص والتهمة جاهزة أيضاً، لقد تم تحضيرها وفي عواصم الغرب تحديداً …إنها جريمة الإبادة الجماعية في جنوب البلاد!!! .كانت التغطية الإعلامية واسعة وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة للصراع في دارفور و الجنوب ومنذ عام 2003 ومما ساهم في تأزيم الوضع أكثر هو الجغرافيا السياسية المعقدة للمنطقة…
لكن ما هو دور المجتمع الدولي في هذا الصراع؟ ولماذا شجعت منظمات الإغاثة الغربية، المشبوهة الدور، كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا على التدخّل العسكري بحجة حماية حقوق الإنسان ؟ أليستا متهمتين بالعمل في الخفاء والعلن من أجل زعزعة استقرار المنطقة برمّتها من أجل السيطرة على احتياطات النفط الهائلة في جنوب البلاد وخاصة في دارفور.!!!بينما الدور الإسرائيلي الخفي والقذر والذي هو جزء من الأجندة الأنكلو-أميركية في القارة الأميركية يركّز على إمداد جماعات المتمردين بالأسلحة وكذلك تنظيم حملات إعلامية دولية مثيرة ضد الحكومة السودانية.
لقد كان الخطاب الرسمي لهذه الدول الثلاث فيما يخص السودان والمساهمة بعملية السلام فيه يناقض تماماً سياستها الحقيقية..فبينما التصريحات العلنية تفيض بالمشاعر الإنسانية و تعبر عن النوايا الحسنة فإن كلاً من واشنطن ولندن وتل أبيب كانت تعمل في الظلام لتحقيق مصالحها الخاصة من خلال إثارة هذا الصراع بين الشمال والجنوب وتسليح جماعات المتمردين، وهناك تقارير تشير إلى أن الامبريالية الغربية الصهيونية وعبر أذرعها الأخطبوطية ..الإعلامية المترامية الأطراف إضافة للمنظمات غير الحكومية المشبوهة والقيام بتمويل وإمداد المتمردين بالسلاح كل ذلك قد أدى إلى مقتل أكثر من مليون ونصف المليون سوداني منذ الاستقلال عام 1956 .
ومع انفصال الجنوب الغني بالنفط عام 2011، لم تنطفئ نار الصراع بين الشمال والجنوب لأن القوى الكبرى لا تزال تؤجّج وتزكي نار العداء بينهما، تلك النار التي أشعل فتيلها المستعمر البريطاني من خلال إثارة الاختلافات العرقية و الدينية والاثنية بين العرب في الشمال وبين السود في الجنوب .
شهدت الستينيات والسبعينيات في القرن الماضي سلسلة من الانقلابات العسكرية في السودان وحرب أهلية في الجنوب نجحت بفصل السودان إلى دولتين. ومع ذلك ، فإن وصول عمر حسن البشير إلى السلطة في عام 1989 حدّ نهائياً من الاتصالات السريّة بين بعض الأطراف السودانية وإسرائيل، وهكذا ومنذ دعمه للقوات العربية خلال حرب الأيام الستة بين مصر وإسرائيل عام 1967، كان عمر حسن البشير من مؤيدي منظمة التحرير الفلسطينية، كما عمل البشير كضابط في الجيش المصري خلال حرب تشرين ضد إسرائيل عام 1973 ، منذ توليه السلطة في السودان عام 1989، قررت إسرائيل الإطاحة بالنظام الموالي للفلسطينيين في الخرطوم، واتخذ العداء الإسرائيلي ضد الحكومة السودانية شكل الدعم العسكري لمتمردي دارفور الذين يقاتلون الحكومة السودانية.
ولكن من أجل فهم تورط إسرائيل في السودان، يجب القيام بجولة إلى البلدان الإفريقية المجاورة له مع الأخذ بالاعتبار ما هي المصالح الجيوستراتيجية لإسرائيل..
فالسودان له حدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، خلال الاستعمار الوحشي للكونغو على يد ملك بلجيكا ليوبولد الثاني في القرن التاسع عشر، لعب المصرفيون اليهود مثل رافائيل باور وفرانز فيليبسون وليون لامبرت، فضلاً عن المستشارين والمحامين ورجال الأعمال اليهود دوراً رئيسياً في إدارة المستعمرة البلجيكية نيابة عن ملك البلجيكيين.
هرع اليهود من روسيا وبولندا والمجر ودول البلطيق إلى الكونغو لاستغلال ثروة البلاد الهائلة من الماس والذهب والكوبالت والمواد الخام الأخرى، ساعد الكثير من هذه الثروة في بناء بلجيكا الحديثة وتم انتزاعها ونهبها من خلال العبودية والتعذيب والقتل الجماعي، ومع ذلك ، لم تُجبر بلجيكا على دفع تعويضات عن جرائمها ضد الإنسانية في الكونغو، على عكس ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، التي كانت، بطريقة مبررة، ملزمة بالدفع لإسرائيل مقابل استعبادها لليهود. في مطلع القرن العشرين، أصبحت الجالية اليهودية في الكونغو محظوظة للغاية ، لدرجة أنها أصبحت المساهم المالي الرئيسي فيما يسمى دولة إسرائيل الاحتلالية في عام 1948.
أما في تشاد، فمنذ استقلال البلاد في عام 1960، كان أول رئيس لتشاد، فرانسوا تومبالباي، وكان لديه علاقات وثيقة مع إسرائيل، كان الوضع العرقي في تشاد مماثلًا للسودان، إلا أن الجنوبيين الناطقين بالفرنسية هم الذين سيطروا على الشمال العربي بعد الاستقلال.
وهكذا، فإن السياسة الإسرائيلية في تشاد تنطوي على التلاعب بهذه التوترات العرقية من خلال متابعة المصالح الجيولوجية الإستراتيجية الصهيونية وخاصة زعزعة استقرار السودان، بعد الإطاحة بعبد الله خليل المؤيد لإسرائيل في عام 1958 كان لدى إسرائيل، الحساسة للتوترات العرقية المتزايدة في تشاد، الرجل المناسب لهذه المهمة الدبلوماسية، كوديا صوفير كان يهودياً من مواليد العراق وأصبح دبلوماسياً إسرائيلياً بارزاً في تشاد.
أتاح له إتقان اللغة العربية التلاعب بكلا الجانبين من التقسيم العرقي لتشاد لصالح إسرائيل، أقنع ضوفير الرئيس تومبالباي بدعم إسرائيل في الأمم المتحدة، أما الرئيس التشادي إدريس ديبي والرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني فهما حلفاء أساسيين للولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا في وسط أفريقيا .
تولى إدريس ديبي السلطة عام 1990 بمساعدة أجهزة المخابرات الفرنسية ومعه استمر الفقر في الازدياد، لعب ديبي، الذي حافظ عليه الجيش الفرنسي، دوراً كبيراً في زعزعة استقرار السودان…
بقلم.. جبرارد كولمان- RESEAU INTERNATIONAL

ترجمة: محمود لحام
التاريخ: الخميس 8-8-2019
الرقم: 17044

 

 

 

 

آخر الأخبار
توزيع سلل صحية في ريف جبلة مرسوم بمنح الموفد سنة من أجل استكمال إجراءات تعيينه إذا حصل على المؤهل العلمي مرسوم يقضي بالسماح لطلاب المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا المنقطعين بسبب الثورة بالتقدم بطلب... مرسوم بمنح الطالب المستنفد فرص الرسوب في الجامعات والمعاهد عاماً دراسياً استثنائياً مرسومان بتعيين السيدين.. عبود رئيساً لجامعة إدلب وقلب اللوز رئيساً لجامعة حماة   انفجارات في سماء الجنوب السوري منذ قليل إثر اعتراض صواريخ إيرانية أوقاف حلب.. حملة لتوثيق العقارات الوقفية وحمايتها من المخالفات والتعديات تفعيل النشاط المصرفي في حسياء الصناعية تحديد مسارات تطوير التعليم في سوريا تعاون  بين التربية و الخارجية لدعم التعليم خطط لتطوير التعليم الخاص ضمن استراتيجية "التربية"   تجارة درعا.. تعاون إنساني وصحي وتنموي مع "اينيرسيز" و"أوسم" الخيرية بدء توثيق بيانات المركبات بطرطوس الهجمات تتصاعد لليوم الرابع.. والخسائر تتزايد في إيران وإسرائيل صالح لـ (الثورة): أولى تحدّيات المرحلة الانتقالية تحقيق الاستقرار والسلم الأهل مشاركون في مؤتمر "الطاقات المتجددة" لـ"الثورة ": استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة ودعم البحث العلمي قتلَ وعذبَ معتقلين في مشفى المزة العسكري.. ألمانيا تحكم بالمؤبد على أحد مجرمي النظام المخلوع  "تجارة إسطنبول": نجري في سوريا دراسة ميدانية لفرص الاستثمار "الفيتو الأميركي".. هل حال دون اغتيال خامنئي؟.. نتنياهو يعلّق الفساد المدمِّر.. سرقة الكهرباء نموذجاً عطري: العدادات الذكية ليست حلماً بعيداً بل هي حل واقعي