كل المؤشرات القادمة من الكيان الصهيوني خلال الأيام الماضية تشير إلى أزمة حادة يعيشها رئيس حكومة العدو الإرهابي بنيامين نتنياهو، كما تشير أيضاً إلى حالة الإفلاس التي يعانيها داخلياً وخارجياً، حيث لم يعد في رصيده من الأوراق السياسية للفوز بانتخابات الكنيست وتشكيل حكومة متطرفة جديدة، سوى التفكير في خوض أو إشعال حرب جديدة أو محاولة الدفع بالمنطقة إلى حافة الهاوية، لتأمين الحد المطلوب من أصوات الناخبين الصهاينة للاستمرار في موقعه.
ففي الأيام القليلة الماضية مارس كيان الإرهاب أنواعاً مختلفة من العربدة العسكرية والعدوان الواسع النطاق على مستوى المنطقة، فمن قطاع غزة إلى العراق وصولاً إلى سورية ولبنان كانت الصواريخ والطائرات الإسرائيلية المسيرة تستهدف مواقع وشخصيات تابعة لمحور المقاومة تشكل بالنسبة لنتنياهو مبررات وعناوين سياسية من أجل إقناع جبهته الداخلية (بصحة) خياراته في المنطقة، وسبباً كافياً لرفع معنويات مجتمعه وجيشه المأزوم والعاجز عن خوض الحروب التي تضمن أطماع الكيان على المدى الطويل، ولا سيما بعد تراجع الولايات المتحدة الأميركية مرحلياً ومؤقتاً وبدرجة كبيرة عن مخططات شن حرب على إيران، وظهور مؤشرات جديدة حول إمكانية دخولها في مفاوضات جدية مع طهران لمناقشة الملفات المختلف حولها.
من المعلوم لدى الجميع أن لعبة الحرب والفوضى في المنطقة هي أقوى الأوراق لدى ساسة الكيان الصهيوني للفوز بانتخابات الكنيست ومحاولة توحيده حول خطر محدق، وتالياً استدرار عطف ومساعدة وتأييد المجتمع الدولي، لأن التصعيد العسكري وما ينجم عنه من مخاطر وجودية على الكيان الغاصب يوحد هذا المجتمع على قاعدة التطرف، ويدفع به لانتخاب الأشد عدوانية وتطرفاً، وهذا ما يفسّر وصول الأكثر إرهاباً وتطرفاً وإجراماً إلى رئاسة الحكومة بشكل أتوماتيكي، ولم يسبق أن وصل إلى رئاسة الحكومة في هذا الكيان الغاصب شخص واحد له ميول باتجاه التهدئة والسلام والاستقرار والكف عن التهديد والعدوان، بل على العكس تماماً، حيث يمكن أن يكون مجرد التفكير أو طرح فكرة (السلام) مقتلاً حقيقياً لقادة الاحتلال ومشاريعهم العدوانية، كما حدث مع الإرهابي إسحاق رابين أواسط التسعينات، فبعد أن أودع هذا الأخير لدى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون تعهداً بالانسحاب من الجولان السوري المحتل وأبدى استعداداً للسير في طريق (السلام) برعاية أميركية آنذاك، دفع حياته ثمناً على يد متطرف صهيوني، ليستلم دفة الحكم من بعده إرهابي آخر يزايد عليه في التطرف والعدوانية مثل شمعون بيريز الذي سارع بعد أشهر قليلة إلى شن ما يسمى عملية (عناقيد الغضب) على لبنان وارتكب خلالها مجازر مهولة كان من أفظعها مجزرة قانا في نيسان 1996.
لكن هذا اللعب الإسرائيلي على حافة الهاوية له مخاطره الكبيرة على من يسعون للتصعيد ونسف الاستقرار الهش في المنطقة، ولا سيما أن الفشل هو العنوان الأكثر احتمالاً لأي توجه إسرائيلي نحو الحرب، ولعله من المفيد هنا التذكير بإيهود أولمرت وطاقمه الحربي عمير بيريتس ودان حالوتس ممن كانوا شركاءه في عدوان تموز على لبنان صيف عام 2006، والذي كان من نتائج آنذاك اختفاء هؤلاء الثلاثة من الحياة السياسية بعد تقرير فينوغراد الذي حملهم مسؤولية الفشل في الحرب، وطالتهم تهم فساد على خلفية حرب الـ 33 يوماً، ويقيناً لو أنهم حققوا نتائج إيجابية فيها لكرسوا أنفسهم (زعماء) في كيانهم المتطرف وأُعيد انتخابهم بسبب النزعة العدوانية التي تحرك المجتمع الإسرائيلي، وقد ثبت بدلائل تاريخية عديدة أن الإرهاب وحده هو من يجعل حكام الكيان الإسرائيلي رؤساء حكومات وزعماء أحزاب، ويعبد لهم الطريق للفوز المريح بانتخابات الكنيست، ولكن الحرب نفسها يمكن أن تسقطهم وتودي بهم إلى الخروج من الحياة السياسية، وهذا هو المصير الذي ينتظر نتنياهو في حال استمر بالتلاعب بمعادلات المنطقة وقواعد الاشتباك فيها.
لقد بات في حكم المؤكد بعد حرب تموز 2006 والحرب على سورية أنه لم يعد باستطاعة الكيان الصهيوني أن يستفرد بأي مكون من مكونات محور المقاومة الممتد من طهران غرباً وصولاً إلى ضاحية بيروت الجنوبية شرقاً مروراً بدمشق وبغداد اللتين قهرتا داعش وكل المشاريع الأميركية المرتبطة بهذا التنظيم الإرهابي التكفيري، وهذا ما أكده السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله قبل أيام حين أشار على متانة هذا المحور وقدرته على رد الصاع صاعين في حال حاول العدو التمادي في عدوانه، ولعل من أبرز نتائج الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة أن مجتمع العدو ووسائل إعلامه باتوا متيقنين من ردود أفعال في الأيام والأسابيع القادمة رداً على اعتداءات نتنياهو الأخيرة، من دون أن يكون لديهم قدرة على معرفة أين وكيف ومتى..!
يدرك نتنياهو أن كيانه يستطيع أن يبدأ حرباً في المنطقة لكنه على قناعة تامة أنه أعجز من أن يضمن نتائجها لصالحه، ولو استطاع أن يضمن الحد الأدنى من النتائج التي تصب في مصلحته لما تردد لحظة واحدة في إشعالها، ومن الجدير ذكره هنا أن انتصارات الجيش العربي السوري المتتالية على الجماعات الارهابية التكفيرية أدوات المشروع الصهيوني هو أكثر ما يقلق نتنياهو وحكومته ويفاقم شعورهما بالإخفاق والخيبة ويجعل أماله بإضعاف سورية ومحورها تذهب أدراج الرياح.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الخميس 29-8-2019
رقم العدد : 17059