ليســــت الحـــرب.. إلا رجعــــةً إلــى التـــوحش

 

يقول الناقد والروائي الساخر «أناتول فرانس» أبرز أدباء فرنسا، وأشهر كتابها الانسانيين والرافضين للحرب وعنصريتها وتطرفها: «ليست الحرب إلا داءً وراثياً، أو رجعةً فاسقة إلى الحياة البربرية، أو حماقةً مجرمةً، وإن سياسة الاستعمار هي أحدث مظاهر البربرية، أو إذا شئت فهي حدّ المدنية الأخير.. لا أفرق بين هذين اللفظين، لأن مدلولهما واحد، وليس مايسميه الناس مدنية إلَّا عادات العصر الحاضر وآدابه، وما يسمونه بربريةً هو أحوال العصور الغابرة، ولا مناص من الإقرار، بأن من عاداتنا وآدابنا أنْ تقضي الشعوب القوية على الشعوب الضعيفة، وهذا أصل في الشرائع الدولية، وأساس في السياسة الاستعمارية، لكن هل كان في الفتوح البعيدة منافع للأمم؟.. أبداً، لا أرى ذلك».
إنه رأي كاتبٍ، كان يشعر وكلّما فكَّر في الحياة ومافيها من متعصبين وأشرار ومتوحشين وحمقى، بأنها تحتاج لأن يشهد عليها شاهدان هما السخرية والشفقة.. لقد شعرَ بذلك، مُذ رأى الغرب يشوّه ثقافته بسياسته وهيمنته الثقافية-والاستعمارية. سياسته ضد الشعوب العربية، وهيمنته على إرثها وكنوزها الحضارية.
هذا رأيه الذي لم يتبدَّل، حتى بعد تعيينه عضواً في الأكاديمية الفرنسية.. ذلك أن محاولة جعله مؤيداً للاستعمار قوبلت برفضه، بل وبخطابه الذي ردَّ فيه على المشروع الاستعماري، كاشفاً مزاعمه القائلة بأنه يسعى لتحضير الشعوب البربرية: «لم يعرف العرب والسود وسواهم من حضارتنا حتى الآن، إلا المجازر والاستغلال والقهر والاستيطان. فأين الحضارة إذن؟!!. إن الاستعمار أيها السادة هو أحقر أنواع البربرية.
هل تعلمون أن هذا الاستعمار الوحشي واللاإنساني سوف يجعل ملايين البشر في أفريقيا والهند الصينية والعالم العربي يحقدون علينا؟.. ألا تباً للاستعمار والمستعمرين».
حتماً، هو ليس رأي «فرانس» فقط، بل رأي كُثر من الأدباء والمفكرين الذين رأوا، بأن ما اقترفته بلادهم تجاه العرب، خيانة للمبادئ التنويرية ومثاليتها، المبادئ التي وإن رفع الغرب لواءها، إلا أنه وباستعماره للشعوب، فقدها وأفقدها أخلاقياتها.
نعم هو رأي كثر، ومنهم الفيلسوف والناقد الاجتماعي البريطاني «برتراند راسل» الذي ولأنه كان داعية سلام ومناهضاً للإمبريالية، وللتمدُّد العسكري والاقتصادي للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، لأنه كان كذلك، كان يرفض الحروب، وفي غالبية كتبه، مثلما في قوله: «إن أهم أسباب البؤس في العالم العصري، بل وأحد أهم عوامل الرعب الذي يطغى على الناس ويمنع نموهم العقلي إلى درجة اكتماله، هو تضخم سلطة الدولة الناتج عن تعسفها، وبشكل أهم، عن الحرب، فعندما تأخذ الدولة شن حرب عدوانية على عاتقها، يصبح رجالها مزيجاً من القتلة واللصوص.. بالنهاية، نتيجة الحرب لا تحدد من هو صاحب الحق، وإنما تحدد من تبقى»..
بالتأكيد هي أصوات واعية.. موضوعية وعلمية ومنصفة للتراث وللحضارة الإنسانية.. أصوات، هاجمت قادة وقوَّاد الحرب حتى في بلادها، وبجرأة وثّقت ماوثّقه الكاتب الأمريكي «جيريمي سكاهيل» في «حروب قذرة».. الكتابُ الذي ضمّنه قصصاً عن جرائم ووحشية النخبة من جنود أمريكا، وقوات مشاتها ومرتزقتها وشركات موتها، وخطفهم للأفراد وتوجيههم الطائرات من دون طيّار، والقصف بصواريخ كروز المدمّرة.
وثّق ذلك، ففضح ما يجري وراء أسوار معسكرات التعذيب الأمريكية، وحقيقة المتستّرين وراء وظائفهم الدبلوماسية.. فضح أيضاً سياسة بلاده، ولأنها لا تسعى لاستمرار الإرهاب وحسب، بل ولتزيده اشتعالًا وانتشاراً، وعبر مؤسساتها ومرتزقتها، وكل ما قال عنه عندما نعتها: «لم يعد استخدام المرتزقة خياراً، بل أصبح سياسة أمريكيَّة، ويبدو واضحاً للعيان أنَّ خيار المرتزقة هو الخيار الجديد للأنظمة القمعيَّة، فالحكومات لا تحتاج – بمساعدةٍ من المرتزقة، إلى التَّجنيد الإجباريِّ أو حتَّى إلى دعم شعبها الخاصِّ أو جيشها الوطني لخوض حروب عدوانيَّة أو وقائية، ولا تحتاج كذلك إلى ائتلاف الدُّول «المريدة» لمساعدتها، فشركات المرتزقة والمقاولات الخاصة، وعلى رأسها «بلاك ووتر» تعرض تدويلاً بديلاً للقوة من خلال تجنيد جنودٍ مرتزقة من كافَّة أنحاء العالم، وبذلك يستطيع كلُّ مَن يملك المال أن يصنع جيشه الخاصَّ وسط صمتٍ دولي متَّفقٍ عليه».

 

هفاف ميهوب
التاريخ: الأربعاء 16-10-2019
الرقم: 17099

 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها