رافقت الحرف السورية الإنسان منذ نشأته ،ونمت وتطورت في مختلف المراحل التاريخية التي مر بها بفضل التراكم المعرفي والثقافي لأصحابها ، وهذا ما ساهم إلى حد كبير في انتشارها وتداولها على أوسع نطاق في مختلف البلدان . تعتبر الحرف اليدوية السورية من أهم الحرف في عالمنا العربي ، ويأتي في مقدمتها صناعة الفخار ، والحفر على الخشب ، والقش ، والخزف، والنحاسيات … وغيرها من الحرف التقليدية الأخرى.
هذه الحرف ارتبطت ارتباطا وثيقا بالإنسان في بلاد الشام ،وعكست جانبا من خصائصه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ،حيث أصبحت جزءا من تراثه الحضاري ، علما أن هذه الحرف كانت مصدر دخل من يعمل بها ، فمن تلك الحرف كانوا يصنعون مستلزمات بيوتهم من أوان منزلية وكؤوس وأطباق وكراس وصوان وتحف وهدايا وصلت إلى مختلف بلدان العالم ، ومن أصحاب الحرف أيضا كان يصنع لوحات فنية غاية في الجمال والروعة تستخدم لغاية تزيينية في البيوت والقصور والأماكن العامة والخاصة .
ويذكر الدكتور بدر الدين السباعي في كتابه ( أضواء على قاموس الصناعات الشامية) أن عدد الحرف الشامية ما يقارب (300) حرفة منها (156) حرفة يدوية ،حيث كانت بلاد الشام موطن هذه الصناعات ، الممتدة في عمق التاريخ، وتميز أصحابها بالمهنية والحرفية والدقة والمهارة العالية في بناء وتصنيع ورسم الأشكال والهياكل ، وكان لكل حرفة من هذه الحرف سوق خاص بها يعرف باسمها . كما كان لهذه الحرب العدوانية الظالمة آثارها المدمرة على كافة مناحي الحياة التي طالت البشر والشجر والحجر، أيضا طالت المهن والحرف اليدوية والتقليدية فكثير من الحرف تعرض للدمار والحرق أو السلب والتدمير على أيد مجرمة ، مما دفع أصحابها إلى الهجرة أو النزوح ضمن البلد إلى أحياء أخرى قد لايتمكن الحرفي من مزاولة المهنة بسبب عدم قدرته على شراء المعدات والمستلزمات التي نهبت ، أو بسبب ضيق المكان ،ومنهم مازال حتى الآن يعيش مأساته وينتظر الفرج ، وبعض هؤلاء سافر خارج الوطن ولم يعد .
هذه الحرف كان يعيش منها آلاف السوريين والأجدى بنا أن نعيد مجد هذه الحرف اليدوية التي تساهم إلى حد بعيد في رفد الاقتصاد الوطني والعمل على إحيائها والمحافظة على ديمومتها واستمرارها لأنها مرآة حياة الناس وعاداتهم وتقاليدهم، فالحرفة الواحدة تمتص الآلاف من العاطلين عن العمل ، ناهيك عن بعدها الجمالي والحضاري . بلدنا غنية بإمكانياتها ومواردها البشرية ،لدينا طاقات خلاقة مبدعة لاتحتاج إلا لمن يحتضنها ويأخذ بيدها، والاستثمار الأنجع في أي بلد من البلدان هو استثمار طاقاته البشرية ودمجها في الأسواق المحلية.
علاء الدين محمد
التاريخ: الأربعاء 6 – 11-2019
رقم العدد : 17116