لاشك أن الشاعر الدكتور عمر النص من القامات السورية الكبيرة والمبدعة التي تركت إرثاً ثقافياً وإنسانياً في مختلف أنواع علوم الأدب والإبداع، فالنص كتب الشعر، وألّف للمسرح, وحصل على الدكتوراه في القانون الدولي متنقلاً في عدد من الوظائف، فكان الغائب بجسده, لكنه الحاضر بإبداعه وإنتاجه الأدبي والإنساني.
(الشاعر عمر النص بين الدبلوماسية واﻷدب) عنوان كتاب صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بـ 144 صفحة من القطع الكبير, وهو يسرد وقائع الندوة الثقافية التي أقيمت ضمن مهرجان دمشق الثقافي حول الشاعر عمر النص, حيث قدم له وزير الثقافة السيد محمد الأحمد وأعدّ هووثقه: د.اسماعيل مروة ونزيه الخوري.
وجاء في المقدمة بقلم د.اسماعيل مروة ونزيه الخوري أن الشاعر عمر النص المولود 1928 وقد توفي سنة 2013, كان على دراية كبيرة بالعربية والفصاحة, وأنه قدم الكثير من الأعمال الشعرية المهمة, مشيرين أنه كان مثالاً للتجديد في شعره, وأنه شاعر مُجل لكنه لم يحظ بالشهرة التي يستحقها لأنه كان زاهداً بنفسه, اعتماداً على مبدئه الشعري, فعمر النص شاعر رومانسي يتبع المدرسة الرومانسية الحالمة التي شاعت في زمانه وبقي على ذلك حتى وفاته ورحيله.
لم يكن النص متفرغاً للأدب وإنما كان حقوقياً من الدرجة الممتازة, وكان كذلك اقتصادياً من الدرجة الرفيعة, لذلك التفت في حياته إلى عمله الذي أخلص له لئلا يحتاج إلى أحد, فعمل في الصندوق العربي, وبقي على ذلك حتى آواخر حياته, لكنه لم يتخل لحظة واحدة عن الأدب, مابين دمشق وباريس وعدد من الدول العربية.
وتحت عنوان (كلمة وفاء) أكد السيد محمد الأحمد وزير الثقافة أن عمر النص شاعر وإنسان ورجل وسيم نبيل، وهو مثال فريد لالتحام المضمون العميق بالشكل البهي.. مشيراً أن وزارة الثقافة تفتخر باستذكار ماخلفه لنا عمر النص من فيض مشاعر وتجليات روح.
وقال: كان جدي بدوي الجبل، يشجعنا على القراءة أنا وبقية أحفاده, وذات يوم رأيت جدي قدم لي كتابين قائلاً لي: اقرأ هذا الشعر، وحين قرأَتَهُ سحرت به، وأصابني دوار المفتون، وسكرة المأخوذ،ودهشة الوقوف في حضرة الجمال.. لقد كان هذان الكتابان أول ديوانين يصدرهما شاعرنا الكبير عمر النص، الذي نحتفي به ولهذا جاء ديوانا «كانت لنا أيام» و«الليل في الدروب» ليتركا في قلبي وقتئذ ما يتركه المطر الكريم في قاحل الأرض وأديمها المغير.
وقدم الأحمد عدداً من الأبيات للشاعر الكبير قال:
أأَنْتِ كَتَبتِ أحَرُفَها أَانْتِ؟
وَكَيْف كَتَبَتِها وَلِمَنْ كَتَبَت؟
إلي هذا الأريج يَدَق بابي
ويقهر وحشتي ويدك صمتي
أَقبلها.. وَأَدفنها بصدري
كأَنّك خلف أحرفها استترت!
أتلك قُصاصة؟ أأنا خيال
تهم شجونه فتكاد تحكي؟
يكاد الأمس يَلُهث في عروقي
وَيَزرع في جفوني ألف شك
الدكتور محمد شفيق البيطار تحدث عن الموسيقا في شعر عمر النص,مبينا أنه حين صدر الديوان الأول للدكتور عمر النص (كانت لنا أيام) عام 1950 كان عمره اثنين وعشرين عاماً وجاء مافيه من قصائد ناضجاً في لغته وموسيقاه ومعانيه.
وبيّن البيطار أن النص قد بنى قصائد ديوانه الأول على سبعة بحور وهي الخفيف 6 قصائد، الطويل 5 قصائد, والمتقارب 5 قصائد, الوافر 4 قصائد، الرمل 3 قصائد, والسريع 3 قصائد, الكامل قصيدتان، ويلحظ أن البحر الخفيف استأثر بوزن ست قصائد وهو بحر محبب لدى أصحاب النزعة الرومنسية، في حين غلب البحر الخفيف والطويل على الكثير من قصائده ذات الصبغة التأملية أو الفلسفية، واعتماده على المجزوءات في المواقف التي تهز وجدانه من ألم أو فرح.
أما الدكتور محمد قاسم تناول موضوع «اللغة في شعر عمر النص» و فيه أشار إلى أن النص واحد من أفذاذ الشعراء الرومانسيين السوريين الذين كان البيان عندهم ذا سعةٍ, وإن أزمة الألم الفرداني والذاتية اللتين استحوذتا على جملةٍ صالحةٍ من شعره لم تكونا سالبتين لغنى تجربته الفنية والإنسانية, مضيفاً: لئن النص عاش في ركن قصيّ تناءى عن الضوء, يتجرع مرارة ألمه الناغل, أبى شعره الوهّاج إلا أن يخرج للناس, باسطاً نوره على موائد عشاق الشعر ومتذوقي البيان السمح العذب.
أما الدكتور إحسان النص نجل الشاعر الكبيرفيقول في كلمته «والدي عمر النص كما عرفته» أن الحديث عن عمر النص هو متعدد الجوانب وغزير المعاني لأنني لا أتحدث عن أبي الحبيب فحسب, بل لأني أتحدث عن أمة حقاً, عن إنسان أمضى مسيرة عمره المبارك في إنجاز تلو إنجاز.
وأشار إحسان أن والده كان بحرا عميقا يمكن أن يغترف منه كل طالب علم, وكل حريص لمعرفة هذه الشخصية الفذة، وكان كنزا ثمينا لكل من عرفه وعاش معه.. لافتاً أن والده كتب المسرح والقصة إضافة إلى الشعر, وفي رصيده عدد من المسرحيات جمعت باسم الأعمال المسرحية الكاملة.
عمار النعمة
ammaralnameh@hotmail.com
التاريخ: الجمعة 29 – 11-2019
رقم العدد : 17134