القسوة أكثر الصفات قبحا، فهي تأخذ البشر دوما الى عوالم جهنمية، وتحولهم عن كل ما هو إنساني صفات وقيما وعلاقة مع الآخر، عدا ما تعكسه من فجاجة عمياء عبر العلاقات، فتعمي الفكر والتفكير كردود افعال طبيعية تجاهها، كما تنتفي الصفات الانسانية بوجودها، وينضوي تحت عنوانها الكثير من السلبيات الاجتماعية والنفسية والسلوكية، حيث يزدحم عالمنا في وقتنا الحالي بالقسوة, فهو مليء بالعنف والدم والتعسف..
من هذا المنظور انطلق صانعو عرض (درس قاس) من اخراج الفنان سمير عثمان الباش، المأخوذ عن نص بنفس العنوان للكاتب الروسي (فالنتين كرسنوغوروف), حيث ركز العرض على هذا الجانب تحديدا، فلفت النظر الى فظاعة القسوة كطبيعة بشرية, كأبعاد, كأسباب، وغيرها الكثير من الحالات التي ترتبط ببشاعة تلك الصفة.. فكيف يمكن للإنسان أن يمارسها ضد الآخرين، أو كيف يتقبل فعلها بتبعاتها المقيتة، حيث أثار العرض الكثير من الاسئلة في هذا السياق مستقطبا العديد من الحالات والأفكار والسلبيات التي تزرعها بين الناس، مضافا الى الاضاءة على مبررات ومسوغات تقبلها، غير المقنعة، مشيرا بأصابع الاتهام الى كل من فعلها ببساطة من أجل أي شيء مهما كان، حيث لا يجوز لإنسان أن يقتنع بها، فكيف من أجل مصالح شخصية ضيقة، مثلما تصرف الطالب الجامعي يزن الذي يقوم بدوره كرم حنون مع المتطوعة اليسا التي جسدت دورها فرح الدبيات لتجريب هذا الدرس القاسي، والذي رفضته زميلته لورا (توليب حودة)، رافضة كل الأسباب التي حاولوا تبرير التعامل بها، وقد أقنعهما بداية أستاذهما في علم النفس ابراهيم قام بدوره (أوس وفائي)، على أن هذه التجربة علمية بحتة مما يتطلب القيام بها، حيث من شأنها تقديم الفائدة للمجتمع البشري بأكمله.
وقد استمر الحوار بين شخصيتي طالبي الجامعة، طارحا مناقشات كثيرة مؤكدة بطلان هذه الفكرة وبشاعتها، فعبر مجريات العرض اتضحت بشاعة هذه التجربة، وضرورة رفضها بالشكل القاطع من قبل الانسان الطبيعي، الذي يملك الحد الادنى من الإحساس بالآخر, أو الحد الادنى من الوعي، خصوصا أنها من فرط بشاعتها، تصبح قادرة على تعميم حالة تجنح بالإنسان نحو الابشع من الافعال صانعة ردودها الأكثر فظاعة، فالقسوة محط استهجان كبير بكونها تقزم مشاعر الإنسان، وتحوله عن فطرته السليمة التى تتجه أصلا الى التسامح والرحمة مع الأخرين.
من هنا تتعالى الاصوات لمحاربتها من الناحية العلمية والثقافية، خصوصا أن القسوة باتت منتشرة في أيامنا هذه، مشجعة الجنوح ألى العنف، كما أنها تترك آثارها السلبية على الفاعل وعلى الضحية في نفس الوقت والأكثر ايلاما من كل ذلك هو انتشار هذه السمة عير وسائل ثقافية وأعمال سينمائية وغيرها تحت مسميات التشويق، وبتنا نجدها دارجة بين الناس كأنها فعل طبيعي في بعض الاحيان.. من هنا كانت دعوة العرض المسرحي (درس قاس) في مكانها الصحيح.
آنا عزيز الخضر
التاريخ: الجمعة 29 – 11-2019
رقم العدد : 17134